شهادتهم في الآخرة في الآيات السابقة ـ التي أشرنا إليها ـ يفهم منها أنّ المقصود من الشهداء هم نوع خاص من أبناء الأمة ـ يناسب الإمام المعصوم ـ لا جميع أبنائها ، وذلك بالجمع بين قرينتين :
الأولى : أنّ أبناء الأمة الإسلامية لا يصلحون بأجمعهم لهذه الشهادة ، لأنّ فيهم الفساق وضعفاء الإيمان والمنافقين وغيرهم من الأصناف التي لا تصلح ـ أحيانا ـ للشهادة على أمر من أمور الدنيا ، فضلا عن الشهادة على الناس جميعا ، وقد وردت الإشارة إلى هذه القرينة في بعض ما نقل عن أهل البيت عليهمالسلام ، فعن الباقر عليهالسلام في تفسير هذه الآية : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...) ، قال : «ولا يكون شهداء على الناس إلّا الأئمة والرسل ، فأمّا الأمّة فإنّه غير جائز أن يستشهدها الله تعالى على الناس وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على بقل» (١).
وكذلك ورد عن الصادق عليهالسلام في تفسيرها قوله عليهالسلام : «فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين ، أفترى أنّ من لا يجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟! كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه ، يعني الأمة (بل الأمة. خ ل) الّتي وجبت لها دعوة إبراهيم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...) (٢) وهم الأمّة الوسطى وهم خير أمّة أخرجت للناس» (٣).
الثانية : ما ذكره العلامة الطباطبائي قدسسره : (إنّ هذه الشهادة ليست هي كون الأمة على دين جامع للكمال الجسماني والروحاني ـ كما ذهب إلى ذلك بعض
__________________
(١) بحار الأنوار ٢٣ : ٣٥١ / ٦٣.
(٢) آل عمران : ١١٠.
(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٣٥٠ / ٥٨ ، ومن الملاحظ أنّ الحديث الثاني يوضح الحديث الأول.