نفس الرؤية والانكشاف فلا يكون بكاشف ولا محرز فكيف بكونه ملزوما للكاشفية والمحرزية فلو تنزلنا عما ذكرنا وقلنا بأنه هو الكاشف والمحرز لما صح ذلك الكلام أيضا وعلى التعبير الثاني أن العقل بعد انكشاف الحكم للقاطع لا يحكم بأزيد من لزوم إطاعة المولى ووجوبه وليس القطع دليلا على الحكم كي يحكم بوجوب العمل به والمصير إليه.
فصل في استحقاق التجري للعقاب وعدمه ولا يخفى أن النزاع في ذلك يمكن أن يحرز على وجوه ثلاثة ويكون النزاع على بعضها أصوليا وعلى بعضها كلاميا (فالوجه الأول) أن يكون النزاع في أن الخطابات الشرعية هل تعم المتجري ومن لم يصادف قطعه الواقع مثل العاصي ومن صادف قطعه الواقع فلا فرق في شمول الخطاب بين صورتي المصادفة والمخالفة أو لا تعم وغاية ما يقال في تقريب تعميم الخطابات هو أن مصادفة القطع للواقع حيث إنه أمر خارج عن تحت قدرة المكلف لا يمكن أن يكون مناطا لتعلق التكليف والذي هو بيد العبد ومقدور له هو انبعاثه نحو موضوع الحكم وإرادته له مثلا لا يكون شرب الخمر الواقعي مقدورا للمكلف أصلا لا فعلا ولا تركا بل المقدور له والصادر منه بعد علمه ببعث المولى أو زجره هو انبعاثه نحو الفعل واختياره له وعدم انبعاثه واختياره فلا بد أن يكون متعلق التكليف هو ذلك الأمر المقدور الصادر منه بعد علمه بالبعث نحوه ثم إن التكليف حيث لا يكفي صرف وجوده واقعا بدون العلم به وإحرازه في انبعاث المكلف واختياره بل العلم به يكون موضوعا في حصول الانبعاث ومن المعلوم أن العلم به لا يحصل إلا بعد العلم بوجود الموضوع فلا محالة يكون العلم بالموضوع وإحرازه موضوعا بالنسبة إلى الانبعاث والاختيار وإن كان طريقا بالنسبة إلى أصل الموضوع فيكون المراد من لا تشرب الخمر مثلا بعد ضم هاتين المقدمتين إليه لا تختر شرب