قراءة الخلفاء الثلاثة ، فقراءتهما سواء أُخذ بها أم تركت فهي تنبئُ عن وجود اختلاف في القراءة بين هذين الصحابيّين وغيرهما وبين الخلفاء ، ونحن سنوضّح بعد قليل بأنّ أُبَيّاً وابن مسعود كانا من الثابتين على ولاء أهْلِ البيت عليهمالسلامالمختصّين بهم في العهد الأوّل بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وأنّ أهل البيت عليهمالسلام كانوا يرجّحون قراءتهما على قراءة الخلفاء ويقرؤون بما يوافق قراءة أُبيّ بن كعب.
وأنّ أُبيّاً حاول الإجهار بما يكنّه ضميره في أُخْرَياتِ حياته لولا حلول الموت ، وكذا الحال بالنسبة إلى قراءته فقد اتُّهم بأنّه أقرّ للمنسوخ ، وقد يكونون نسبوا إليه قراءات لم يقرأ بها تصحيحاً لقراءات الآخرين.
كما حكي عنه قوله : «لأقولنّ فيها قولاً لا أُبالي أستحييتموني عليه أو قتلتموني»(١) ، وهذا يحمل في طيّاته معاني كثيرة أتركها للقارئ كي ينتزعها.
ويؤكّد كلامنا قولُ عمر ـ في رواية البخاري ـ : «أقرؤنا أُبيّ ، وأقضانا عليّ ، وإنّا لندع من قول أُبيّ ، وذاك أنّ أُبيّاً يقول : لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقد قال الله تعالى (مَا نَنَسَخْ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا)»(٢).
وقولُ عمر الآخر : «أبيّ أقرؤنا ، وإنّا لندع من لحن أبيّ ، وأبيّ يقول أخذته من في رسول الله فلا أتركه لشيء ، قال الله تعالى (مَا نَنَسَخْ مِنْ آيَة أَوْنُنْسِهَا)»(٣). فيه ما فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) طبقات ابن سعد ٣/٥٠٠ ، تهذيب الكمال ٢/٢٧٠ ، تاريخ دمشق ٧/٣٤٠ ، سير أعلام النبلاء ١/٣٩٩.
(٢) صحيح البخاري ٤/١٦٢٨/ح ٤٢١١.
(٣) صحيح البخاري ٤/١٩١٣/ح ٤٧١٩.