ومعلوم أنّ كلّما هو من قبيل الأوّل يحتاج إلى إنفاذ الغير ذلك التّصرف لأنّه قد تصرّف في حيطة سلطانه فيحتاج هذا التّصرف ونفوذه إلى الإنفاذ من جانب من له السّلطان فيكون ذلك من العقود طبعا سواء كان التّصرف في سلطان الغير بنحو الإدخال في ملك الغير وحيطة سلطنته كما في باب الهبة فيحتاج مضيّ ذلك التّصرف إلى قبول الغير أو كان التّصرّف بالإخراج من حيطة سلطانه أو يكون التّصرف بإدخال شيء في سلطانه وإخراج عوضه فكلّ ذلك من العقود وأمّا كلّما يكون من قبيل الثّاني ، أي لا يكون التّصرف إلّا في سلطان نفسه وفي منطقة نفوذ شخصه ، فهو من الإيقاعات ولا يحتاج مضيّ تصرّفه ونفوذه إلى إنفاذ الغير وقبوله كما في أوقاف العامّة حيث لا يكون الإيقاف تصرّفا في سلطان الغير لا إدخالا ولا إخراجا كما أنّ الإعراض والتّحرير والعتق أيضا كذلك.
فعلى هذا ، المنشأ في باب العقود لا يوجد إلّا بقبول الغير وإنفاذه لأنّ الإيجاب تصرّف في سلطان الغير فالمعنى المنشأ لا يوجد في عالم الاعتبار بصرف الإيجاب والإنشاء إلّا بعد انضمام القبول إليه.
وهذا ليس إلّا تفكيك الإنشاء عن المنشإ والإيجاد عن الوجود فيكون الإيجاد قبل القبول والوجود بعد القبول مع أنّ الإيجاد عين الوجود ذاتا والتغاير بينهما ليس إلّا بصرف الاعتبار أي الاستناد إلى لفاعل فيتّصف بالإيجاد وإلى القابل أو ملاحظته في نفسه فيتّصف بالموجود أو الوجود ، ومعلوم أنّ هذا الإشكال لا مجال له في ساير الإنشاءات من الإيقاعات أو الأوامر والنّواهي.
هذا ، والجواب أنّ هذا الإشكال في الأشياء المتأصّلة وإن كان على ما ينبغي بحسب الموازين العقليّة لعدم قابليّة الانفكاك بين الوجود والإيجاد بل يكون التّفكيك بينهما من قبل التّفكيك بين الشيء ونفسه إلّا أنّ حقيقة تلك الأمور الإنشائيّة لمّا كانت حقيقة اعتباريّة وليس لها وجود متأصّل في عالم العين وراء الوجود الاعتباريّ في عالم الاعتبار والجعل فمن الممكن أن يكون اعتبار المعتبرين في باب العقود إنّما هو على هذا النّحو فالتّصرّف