إن قلت : إنّ هذا إنّما هو على وفق مرامه في معنى النّهي من أنّه بمعنى طلب الترك فالنّهي عن الصّوم معناه أنّ تركه هو المطلوب فيكون الترك في المقام باعتبار مصلحة قائمة في نفسه مطلوبا كما أنّ فعل الصوم باعتبار مصلحة أخرى قائمة فيه يكون أيضا مطلوبا والإشكال إنّما يرد بناء على القول بأنّ معنى النّهي هو الزّجر عن الوجود كما لا يخفى.
قلت : هذا وإن كان صحيحا إلّا أنّه يرد عليه حينئذ إشكال آخر وهو أنّ تقدير هذا العنوان المنطبق أو الملازم خلاف لظاهر ما هو المفروض من الكلام إذ المفروض أنّ الصوم بنفسه مكروها لا بعنوان منطبق عليه تركه.
وثالثا أنّ نفس الترك وصرف العدم لا يكاد ينطبق عليه عنوان من العناوين الوجوديّة بذاتها. بل لا ملزم لذلك فإنّ نفس الترك ربما يكون له مصلحة بذاته كما أنّ ذات الفعل أيضا له مصلحة بذاته فيقع التزاحم بين المصلحتين فمع التساوي يكون الحكم هو التخيير ومع رجحان الترك يكون النّهي غالبا على الندب ولكن لا ينافي وقوع الفعل على وجه الصّحّة لأنّ له مصلحة. هذا لو قيل بأنّ ذلك العنوان بنفسه ينطبق على الترك.
وأمّا لو قيل بأنّ ذلك العنوان ممّا يترتّب ويتولّد عن الترك فيرد عليه أنّ الترك والعدم لا يكون تحت اختيار المكلّف كي يتعلّق النهي به والزجر عنه حتّى يترتّب عليه هذا العنوان وهذا واضح كلّه.
والذي يقتضيه حقّ التحقيق هو أنّ ما ينطبق على هذا الوجود الخارجيّ كصوم يوم العاشور لا يكون عنوان وجوديّ واحد كي يقال : إنّ في ترك هذا الوجود مصلحة كما يكون في فعله مصلحة أخرى بل ما ينطبق على هذا الوجود الخارجيّ عنوانان كلاهما وجوديّان يكون أحدهما ذا مصلحة كنفس الحيثيّة الصّوميّة والآخر ذا مفسدة كالتشبّه بني أميّة لعنهم الله مثلا أو التّشبّه بعبدة الشّمس.
وهذان العنوانان لما كانا من قبيل المتلازمين في الوجود أو المتصادقين في الحمل لا يمكن أن يكون الأمر والنّهي كلاهما فعليّين كما قلناه في الأمر والنّهي التحريميّ فلا محيص عن