وأمّا التفصيل في الجواب فهو أنّ النّهي التنزيهيّ المتعلّق بشيء إنّما يتصوّر على أقسام : قسم يكون النّهي إنّما تعلق بالحيثيّة الّتي هي غير الحيثيّة العباديّة المأمور بها كما أنّ متعلّق النّهي هو الكون في مواضع التهمة ومتعلّق الأمر هو الصلاة وقد يجتمع الحيثيتان. وقسم يكون النّهي قد تعلّق بنفس الحيثيّة المتعلّقة للأمر ولكن مع قيد مخصوص كالصّلاة في الحمّام. وقسم هو أنّ متعلّق النّهي التنزيهيّ بعين ما تعلّق به الأمر الوجوبيّ أو الندبيّ.
هذه أقسام متصوّرة في المقام. وقد عرفت في القسمين الأوّلين أنّه لا مانع من تعلّق الأمر الوجوبيّ والنّهي التحريميّ كذلك فكيف بالنّهي التنزيهيّ مع فرق بين التحريميّ والتنزيهيّ وهو أنّ التحريميّ وإن كان لا مانع من اجتماعه مع الأمر كذلك إلّا أنّه لو كان الأمر عباديّا لا يكاد يقع على وجه التقرّب والصّحّة مع فعليّة الحرمة وأمّا النّهي التنزيهيّ فمع إمكان اجتماعه مع الأمر لا مانع أيضا عن إيقاع الفعل المأمور به على وجه التقرب والصحّة كما عرفت وهذا ممّا لا إشكال فيه. إنّما الإشكال في خصوص القسم الأخير الذي لا يلتزم به أحد حتّى القائلين بالجواز فلا بدّ لكلا المتخاصمين التفصّي عنه.
وقد تصدّى لدفعه المحقّق الخراسانيّ رحمهالله تبعا للشيخ الأنصاريّ (قده) بما حاصله : أنّ النهي التنزيهيّ إمّا أن يكون لأجل عنوان ذي مصحلة ينطبق على التّرك فيكون الترك مثل الفعل ذا مصلحة موافقة للغرض ولا يوجب ذلك الرّجحان الذي في الترك حزازة ومنقصة في الفعل بداهة أنّه حينئذ يكون من قبيل المتزاحمين فيحكم بالتخيير عند التّساوي ورجحان الترك عند أهميّة الترك. لكن المهمّ أيضا يقع على وجه الصّحّة لرجحانه الذاتيّ.
وإمّا أن يكون لأجل ملازمة الترك لعنوان ذي مصلحة كذلك فهو أيضا ممّا لا يوجب الحرازة والمنقصة في الملازم الآخر.
هذا ، وأنت خبير بما في هذا الكلام : أوّلا بأنّ ذلك يستلزم القول باستحقاق الثواب لمن يترك صوم يوم العاشور مع أنّه في فعله الكراهة لا في تركه الثواب. وثانيا بأنّ ذلك يستلزم مطلوبيّة هذا العنوان المنطبق على الترك أو الملازم له لا النّهي عن الصوم.