أمّا إذا كان النهي تنزيهيّا فلا مانع من إتيان المجمع بداعي التقرب والامتثال ولا إشكال في حصول التقرّب به ، ذلك لعدم كون مخالفة النّهي التنزيهيّ عصيانا وطغيانا للمولى كي يمنع ذلك عن حصول التقرّب به كما لا يخفى.
هذا كلّه في ما إذا كان تعلّق الأمر والنّهي بالحيثيّتين المتغايرتين ممكنا. وأمّا في ما إذا لم يكن ذلك ممكنا في الوجوب والحرمة كما إذا كان بين الحيثين التساوي في الصدق أو التلازم في الوجود فلم يكن ذلك ممكنا في الأمر الاستحبابيّ والنّهي التّنزيهيّ أيضا في هذه الموارد ، اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه لا يحتاج في الاستحبابات إلى الأمر الفعليّ بل يكتفى في مقام الامتثال بالحسن الذّاتيّ كما لا يبعد. والله العالم.
حجّة القائلين بالجواز
السابع : استدلّ القائلون بالجواز بأمور : منها أنّه أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه وبعد فرض تضادّ الأحكام بأسرها تكون النواهي التنزيهيّة الّتي تعلقت بالعبادات الواجبة أو المندوبة من قبيل الأمر والنّهي في شيء واحد.
وقد أجاب عنه المحقق الخراسانيّ رحمهالله تارة بالإجمال وأخرى بالتفصيل. وحاصل جوابه الإجماليّ هو أنّ البرهان العقليّ لما قام على الامتناع لا وجه للتمسك بما هو ناش عن ظواهر الأدلّة فلا بدّ لنا التوجيه إذ الظواهر لا يقاوم ولا يكافئ البراهين وأمّا جوابه التفصيليّ فيأتي تقريبه في مطاوي كلماتنا.
هذا ، ولنا أيضا جواب إجماليّ وجواب تفصيليّ. أمّا الجواب الإجماليّ فملخّصه أنّه ليس في البين دليل يدلّ على أنّ وقوع تلك العبادات المكروهة إنّما هو من باب الأمر بها كي يقال : إنّه اجتماع الأمر والنّهي بل الدليل لا يدلّ إلّا على وقوعها صحيحا وقد قلنا : إنّه لا يحتاج في صحّة العبادات إلى قصد الأمر بل يكفي قصد المحبوبيّة والمصلحة الذاتيّة وقد عرفت أنّه لا يصير العبادات بالنّهي التنزيهيّ طغيانا وعصيانا كما يصير بالنّهي التحريميّ.