ذلك بان المكلف مختار فى بقائهما وزوالهما بالتأمل فى الصوارف والموانع كما ذكر ذلك فى التعليقة وفى الجزء الثانى من هذا الكتاب وسيجيء إن شاء الله تعالى فلو لا ان مراده ما ذكرنا لكان حكمه بعدم اختيارية الارادة فى المقام وحكمه باختيارية ما سبقها من الجزم والعزم متهافت متدافع لوجود علة عدم كون الارادة اختيارية بعينها فيما سبقها من المقدمات لكن غرضه ومقصوده حقيقة ما ذكرنا وليس غرضه ان الفعل الاختيارى يستند الى الارادة المترتبة على المقدمات الناشئة عن مقتضى الذات استناد الاحراق الى النار والممكن الى الواجب كما توهمه كثير من الناس فالمسألة بعون ذى القدة والجلال خالية عن الاشكال (ان قلت ان الكفر والعصيان من الكافر والعاصى ولو كانا مسبوقين بارادتهما إلّا انهما منتهيان الى ما لا يكون بالاختيار كيف وقد سبقها الارادة الأزلية والمشية الإلهية وكيف تصح المؤاخذة على ما يكون بالآخرة بلا اختيار قلت) هذا السؤال دال على جهلك حقيقة المقال فانا لم نقل ان الله تعالى اراد من العبد ان يريد الفعل بمعنى اوجد فى العبد مقتضى الارادة بلا مانع كما تقدم لتكون ارادة العبد مسبوقة بالارادة الأزلية بل ذلك هو الجبر المحض ولا يتعقل معنى لقولنا اراد الله تعالى من العبد ارادة تكوينيه ان يريد العبد ارادة اختيارية بالمعنى المذكور فانه اذا كان مقهورا ومجبورا على الاختيار فكيف نقول انه مختار وانما قلنا (العقاب انما يتبعه الكفر والعصيان التابعان للاختيار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما) اى شقاوة الكافر والعاصى (الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما) المؤثرة فى صدور ذلك حال عدم ركونهما الى العقل المانع عن التأثير لو ركنا اليه كما ان السعادة فى المؤمن والمطيع على هذا المنوال وناهيك ما ورد من بليغ المقال عن سيد الكائنات وآله خير آل (فان السعيد سعيد فى بطن أمه والشقى شقى فى بطن أمه والناس معادن كمعادن الذهب والفضة كما فى الخبر) فقد انتهت ارادة العبد الى المقتضى الذاتى (والذاتى لا يعلل فانقطع) بما عرفت من ان الذاتى لا يعلل (سؤال) مستعلم عن العلة قائل (انه لم جعل السعيد سعيدا والشقى شقيا فان السعيد سعيد بنفسه والشقى شقى كذلك وانما اوجدهما الله تعالى) قلت بل السعادة والشقاوة