تمهيد في القراءات وتأريخها
رغبة مني في إعطاء
القارئ لمحة موجزة عن القراءات وشيوخ القراء لم أر أفضل من نقل ما كتبه أستاذنا
الجليل المرحوم الشيخ سعيد الأفغاني الدمشقي في مقدمته الرائعة الجامعة لكتاب «حجة
القراءات» للإمام أبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة المتوفي في أوائل القرن
الخامس الهجري وفيها أفاض بقلمه وبيانه كل ما يهمّ العالم والمثقف حول موضوع
القراءات والقراء ، لذلك اقتبست منها موجزا مفيدا ورأيت إضافته لهذا السفر الجليل
من تفسير الإمام بن جزي ليكون جامعا لأقصى ما يمكن من الفائدة والله من وراء القصد
وهو يهدي السبيل .
«تضافرت جهود أهل
العلم والفكر وأولي العبقريات النادرة في هذه الأمة العظيمة ، على خدمة اللغة
العربية من أنحاء شتى متقاربة حينا ومتباعدة حينا ، من حيث كانت لغة القرآن الكريم
مصدر التشريع والتنظيم الكافلين خير الناس قاطبة. ونمت من هذه الجهود المباركة ـ فيما
نمى ـ علوم اللغة العربية : من نحو وصرف ولغة وبلاغة وفقه لغة ...
وفن الاحتجاج
للقراءات الذي نقدم اليوم إحدى ثمراته ، هو أحد الفنون التي اشتغل العلماء بها
خدمة للقرآن العظيم ، ولا بد من عرض تاريخي موجز للقراءات ثم للاحتجاج لها يكون
تمهيدا وتزويدا للقارئ قبل الكلام على الكتاب ومؤلفه.
لم يكن كتبة الوحي
الذين كان النبي صلىاللهعليهوسلم يملي عليهم كلما أوحي إليه شيء ، من قبيلة واحدة ، بل
كانوا من قبائل عدة فيهم القرشي وغيره. وكان الناس ـ على اختلاف قبائلهم ولهجاتهم
ـ في سعة من أمرهم في قراءة القرآن : كلّ يقرؤه بلحن قومه ، حتى إذا آنس أحدهم
اختلافا في قراءة سمعها من إنسان عما أقرأه الرسول ، هرع إليه شاكيا ، فسمع الرسول
من كلّ قراءته فأقره عليها قائلا : (هكذا أنزلت) .
وكان التغيير لا
يعدو تنوع أداء أحيانا من حيث الإمالة أو الترقيق لبعض الحروف أو التفخيم ، أو ضبط
المضارع الرباعي مثل (ننزل) أو (ننزّل) تخفيفا أو تشديدا ، أو تغاير لفظين والمعنى
واحد ... إلى آخر ما أحصوا من أحوال أطلقوا عليها (خلافا) وما هي
__________________