بخلاف ، إذ لم تكن تؤدي إلى نقض معنى أو تغيير حكم. وكلها مسندة إسنادا صحيحا إلى رسول الله تعدّد السامعوها منه ، وعرفوا من أمر هذه الرخصة ما لم يكونوا على علم به (١). واندرجت هذه الوجوه الكثيرة في القراءة في تعبير «الأحرف السبعة» الواردة في الحديث ، أريد بها التعدد والكثرة لا تحديد العدد سبعة.
كثرت الوجوه المتواترة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في القراءة ، وتفرق الصحابة في الأمصار ، كلّ يقرئ أهل مصره بما سمع على لهجته ، وتعارف الناس هذه الوجوه واللهجات ، ولم ينكر أحد على أخيه قراءته .. حتى إذا امتد الزمان قليلا وكثر الآخذون عن الصحابة ، وقع بين أتباعهم شيء من خلاف أو تنافس أو إنكار ، فخشي الأجلاء من الصحابة مغبته مع الزمن ، فحملوا الخليفة الثالث عثمان بن عفان على معالجة الأمر ففعل ، وكان من رأيه المبارك كتابة مصاحف يجتمع عليها قراء الصحابة وكتبة الوحي ، وهؤلاء وأولئك كثيرون متوافرون .. حتى إذا وقع خلاف كتبوه على لغة قريش ، وكذلك كان.
مدخل في أعلام القراءات الأربعة عشر ورواتهم
جرى اصطلاح المؤلفين في فن القراءات على إطلاق كلمة (قراءة) على ما ينسب إلى إمام من أئمة القراء مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه ، وكلمة (رواية) على ما ينسب إلى الآخذ عن هذا الإمام ولو بوساطة ، وكلمة (طريق) على ما ينسب للآخذ عن الراوي ولو سفل (٢).
ولكل إمام صاحب قراءة رواة كثيرون رووا عنه ، ولكل راو طرق متعددة. وأنا مثبت لك تراجم موجزة لأعلام القراءة بادئا بالقراء السبعة فبقية العشرة فبقية الأربعة عشر ، ذاكرا لكل إمام منهم راويين من رواته ، معرفا بهم جميعا بما لا يخرج عن ألفاظ شيخ هذا الفن ومحرره الإمام شمس الدين بن الجزري في كتابيه المشهورين : (النشر في القراءات العشر) و (غاية النهاية في طبقات القراء) (٣) مع ذكر وفياتهم بما لا يكون فيه إطالة ، ليكون القارئ على إلمام بشيء عن هؤلاء الأعلام.
القرّاء السّبعة
١ ـ نافع المدني : بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، أبو رويم الليثي بالولاء (٧٠ ـ ١٦٩
__________________
(١). كان من كلام عبد الله بن مسعود لما خرج من الكوفة لجماعة أصحابه المودّعين : ( .. ولقد رأيتنا نتنازع فيه عند رسول الله فيأمرنا نقرأ عليه فيخبرنا أن كلنا محسن ؛ ولو أعلم أحدا أعلم بما أنزل الله على رسوله مني لطلبته حتى ازداد علمه إلى علمي ، ولقد قرأت من لسان رسول الله سبعين سورة ، وقد كنت علمت أنه يعرض عليه القرآن في كل رمضان ، حتى كان عام قبض ، فعرض عليه مرتين ، فكان إذا فرغ أقرأ عليه فيخبرني أني محسن ؛ «فمن قرأ على قراءتي فلا يدعنّها رغبة عنها ، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يدعنّه رغبة عنه ، فإن من جحد بآية جحد به كله».
(٢). انظر (إتحاف فضلاء البشر ص ٨٨) و (غيث النفع بذيل شرح بن القاصح على الشاطبية ص ١٤).
(٣). مع إضافة يسيرة من (بغية الوعاة) للسيوطي حينا ، و (الأعلام) للزركلي أحيانا.