الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)
________________________________________________________
التقى والعدوة : شفير الوادي ، وقرئ بالضم والكسر وهما لغتان ، والدنيا القريبة من المدينة ، والقصوى البعيدة (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) يعني العير التي كان فيها أبو سفيان ، وكان قد نكب عن الطريق خوفا من النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان جمع قريش المشركين قد حال بين المسلمين وبين العير (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) أي لو تواعدتم مع قريش ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لاختلفتم ولم تجتمعوا معهم ، أو لو تواعدتم لم يتفق اجتماعكم مثل ما اتفق بتيسير الله ولطفه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) أي يموت من مات ببدر عن إعذار وإقامة الحجة عليه ، ويعيش من عاش بعد البيان له ، وقيل : ليهلك من يكفر ويحيى من يؤمن ، وقرئ من حيي (١) بالإظهار والإدغام وهما لغتان (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) الآية : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد رأى الكفار في نومه قليلا ، فأخبر بذلك أصحابه فقويت أنفسهم (لَفَشِلْتُمْ) أي جبنتم عن اللقاء (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) الآية معناها أن الله أظهر كل طائفة قليلة في عين الأخرى ليقع التجاسر على القتال (رِيحُكُمْ) أي قوتكم ونشاطكم ، وذلك استعارة (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) يعني كفار قريش حين خرجوا لبدر (بَطَراً) أي عتوا وتكبرا (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) الآية : لما خرجت قريش إلى بدر تصور لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : إني جار لكم من قومي وكانوا قد خافوا من قومه ، ووعدهم بالنصر (نَكَصَ) أي رجع إلى وراء (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) رأى الملائكة تقاتل (يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) الذين كانوا بالمدينة ، وقيل : الذين كانوا مع الكفار وهم نفر من قريش منهم : قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن ربيعة بن الأسود وعلي بن أمية بن خلف والعاصي بن أمية بن الحجاج وكانوا قد أسلموا ولم يهاجروا وخرجوا يوم بدر مع الكفار فقالوا هذه المقالة (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) أي اغترّ
__________________
(١). حيي : قرأها نافع والبزي عن ابن كثير وأبو بكر وقرأ الباقون حيّ بالتشديد.