كما أشرنا في
البحث السابق.
ويرجع تأريخ هذا
الاتّجاه إلى أوائل القرن الحادي عشر ، فقد أعلنه ودعا إليه شخص كان يسكن وقتئذٍ
في المدينة باسم «الميرزا محمد أمين الاسترابادي» المتوفّى سنة (١٠٢٣ ه) ، ووضع
كتاباً أسماه «الفوائد المدنية» بلور فيه هذا الاتّجاه وبرهن عليه ومذهبه ، أي
جعله مذهباً.
ويؤكّد
الاسترابادي في هذا الكتاب أنّ العلوم البشرية على قسمين : أحدهما العلم الذي
يستمدّ قضاياه من الحسّ ، والآخر العلم الذي لا يقوم البحث فيه على أساس الحسّ ،
ولا يمكن إثبات نتائجه بالدليل الحسّي.
ويرى المحدّث
الاسترابادي أنّ من القسم الأول الرياضيات التي تستمدّ خيوطها الأساسية ـ في زعمه
ـ من الحسّ ، وأمّا القسم الثاني فيمثّل له ببحوث ما وراء الطبيعة التي تدرس قضايا
بعيدةً عن متناول الحسّ وحدوده ، من قبيل تجرّد الروح ، وبقاء النفس بعد البدن ،
وحدوث العالم.
وفي عقيدة المحدّث
الاسترابادي أنّ القسم الأول من العلوم البشرية هو وحده الجدير بالثقة ؛ لأنّه
يعتمد على الحسّ ، فالرياضيات ـ مثلاً ـ تعتمد في النهاية على قضايا في متناول
الحسّ ، نظير أنّ (٢+ ٢ / ٤). وأمّا القسم الثاني فلا قيمة له ، ولا يمكن الوثوق
بالعقل في النتائج التي يصل إليها في هذا القسم ؛ لانقطاع صلته بالحسّ .
وهكذا يخرج
الاسترابادي من تحليله للمعرفة بجعل الحسّ معياراً أساسياً لتمييز قيمة المعرفة
ومدى إمكان الوثوق بها.
ونحن في هذا الضوء
نلاحظ بوضوحٍ اتّجاهاً حسّياً في أفكار المحدّث
__________________