الثاني ، فإنّ الشيخ استدلّ على حجّية الخبر الظّني بعمل أصحاب الأئمّة به ، ومن الواضح أنّا كلّما ابتعدنا عن عصر أصحاب الأئمّة ومدارسهم يصبح الموقف أكثر غموضاً ، والاطّلاع على أحوالهم أكثر صعوبة.
وهكذا بدأ الاصوليون في مستهلّ العصر الثالث يتساءلون : هل يمكننا أن نظفر بدليلٍ شرعيٍّ على حجّية الخبر الظنّي ، أوْ لا؟
وعلى هذا الأساس وجد في مستهلِّ العصر الثالث اتّجاه جديد يدّعي انسداد باب العلم ؛ لأنّ الأخبار ليست قطعية ، وانسداد باب الحجّة ؛ لأنّه لا دليل شرعيّ على حجّية الأخبار الظنّية ، ويدعو إلى إقامة علم الاصول على أساس الاعتراف بهذا الانسداد ، كما يدعو إلى جعل الظنّ بالحكم الشرعي ـ أيّ ظنٍّ ـ أساساً للعمل ، دون فرقٍ بين الظنّ الحاصل من الخبر وغيره ما دمنا لا نملك دليلاً شرعياً خاصّاً على حجّية الخبر يميِّزه عن سائر الظنون.
وقد أخذ بهذا الاتّجاه عدد كبير من روّاد العصر الثالث ورجالات المدرسة التي افتتحت هذا العصر ، كالاستاذ البهبهاني ، وتلميذه المحقّق القمّي ، وتلميذه صاحب الرياض ، وغيرهما ، وبقي هذا الاتّجاه قيد الدرس والبحث العلمي حتّى يومنا هذا.
وبالرغم من أنّ لهذا الاتّجاه الانسدادي بوادره في أواخر العصر الثاني فقد صرّح المحقّق الشيخ محمد باقر (١) بن صاحب الحاشية على المعالم : بأنّ الالتزام بهذا الاتّجاه لم يعرف عن أحدٍ قبل الاستاذ الوحيد البهبهاني وتلامذته ، كما أكّد أبوه المحقّق الشيخ محمد تقي في حاشيته (٢) على المعالم أنّ الأسئلة التي يطرحها
__________________
(١) لم نعثر على التصريح
(٢) هداية المسترشدين : ٣٨٥