من جهة الأدلّة المقتضية للعلم أو الظنّ المعلوم الحجيّة مع بقاء التكليف يوجب جواز العمل بما يفيد الظنّ يعني في نفسه مع قطع النظر عمّا يفيد ظنّا أقوى وبالجملة ما يدل على مراد الشارع ولو ظنّا لكن من حيث إنّه يفيد الظنّ لا أنّه يوجب جواز العمل بالظن المطلق النّفس الأمري وهذا المعنى قابل للاستثناء فيقال إنه يجوز العمل بكل ما يفيد الظنّ بنفسه ويدلّ على مراد الشّارع إلاّ القياس وبعد وضع القياس من البين فإذا تعارض باقي الأدلّة المفيدة للظنّ فحينئذ يعتبر الظنّ النّفس الأمري وتلاحظ القوّة والضّعف بل لا يبقى حينئذ ظنّ ضعيف بل الأقوى يصير ظنّا وإلا ضعف وهما انتهى وغير خفي أن ما جعله نتيجة دليل الانسداد من جواز العمل بما يفيد الظنّ بنفسه مع قطع النّظر عمّا يفيد ظنّا أقوى ليس إلاّ اعتبار الظنّ النّوعي نعم ربّما يبعد اعتبار الظواهر من باب الظنّ النّوعي أمران أحدهما أن شيئا من الوجوه المتقدّمة لإفادة الظواهر للظن النّوعي لا يفيد ذلك لأنّ أقواها استصحاب عدم القرينة أو قاعدته بعد الفحص عن مظانّها وعدم وجدانها ولا ريب أنّ المقصود الأصلي في المقام هو إثبات إفادة الأدلّة الشّرعيّة التي نتداولها للظنّ النّوعي وإفادتها ذلك فرع الفحص عن وجود القرائن والمعارضات والمخصّصات والمقيدات في مظانّها ومظانها هي الأخبار الصّادرة عن أهل العصمة عليهمالسلام والفحص عنها غير ممكن لاندراس أكثرها إذ الموجود بأيدي العلماء اليوم ليس إلا أقل قليل منها وقد قيل إنّ زرارة قد حفظ خمسين ألف حديثا وبالجملة أن شرط إفادتها للظنّ النّوعي هو الفحص غير الممكن في المقام فإن قلت إنّ ما ذكرت ينافي ما تقدم من المصنف رحمهالله عند الجواب عن حجّة الأخباريين لعدم اعتبار ظواهر الكتاب من منع تحقق العلم الإجمالي بوجود قرائن في غير ما بأيدينا اليوم من الأخبار المتعلّقة بالأحكام قلت بعد التّسليم إنّ عدم تحقّق العلم الإجمالي المذكور لا ينافي الظنّ بوجود مخصّصات ومقيّدات في غير الأخبار الموجودة بأيدينا اليوم وهذا الظنّ مانع من إفادة الظّواهر للظنّ النّوعي وثانيهما مع تسليم إمكان الفحص أنّه لا ريب أنّ إفادة تلك الظواهر للظن النّوعي مشروطة بعدم معارضتها بظنون نوعية خارجة وإن كانت غير معتبرة إذ الطّريق المزاحمة بمثلها لا تصلح لأن تكون طريقا إلى الواقع ولذا حكم المصنف رحمهالله في خاتمة الكتاب بأنّ مقتضى القاعدة في تعارض الخبرين هو التّساقط إن قلنا باعتبارهما من باب الطّريقيّة دون السّببيّة مع ثبوت عمل العلماء وأهل العرف بها حينئذ مع وجود المعارض المذكور ولذا لا يعتنى بوجود الشّهرة وعدم الخلاف في مقابل الظواهر وكذا إذا أمر المولى عبده بضيافة العلماء وظنّ العبد نوعا أو شخصا من أمارة خارجة بعدم إرادته ضيافة بعض أفراد العام وترك ضيافة ذلك البعض فلا يسمع منه ذلك إذا اعتذر بعدم حصول الظنّ بل ومع حصول الظنّ له بعدم إرادة هذا الفرد فإن قلت إنّه قد تقدّم أنّ العقلاء لا يبنون على أمر من دون ملاحظة رجحان فيه لعدم أقدامهم على ترجيح المرجوح أو التّرجيح بلا مرجّح لأنّ عقلهم مانع من الإقدام عليه قلت إنّ الغرض من وضع الألفاظ لما كان هي الإفادة والاستفادة وكانت الظواهر غالبة المطابقة للواقع فتعبّدوا بها في تأدية المراد وإن لم تفد الظنّ بالمراد ولو نوعا في بعض الموارد لأنّ الأخذ بقوالب الألفاظ بحسب وضعها شخصا أو نوعا لما كان طريقا منضبطا سلكوا هذا الملك في إفادة المرادات وهذا المقدار كاف في رجحان تعبّدهم بالظواهر مع أن العمدة في المقام بيان كيفيّة عملهم بها وأنّها من حيث الكشف الظنّي عن المراد شخصا أو نوعا أو من حيث التعبّد ولا يهمّنا بيان النّكتة في ذلك وقد عرفت ثبوت بنائهم على العمل بها من باب التعبّد ولا أقل من كون ذلك هو المتيقّن لو فرض الشّكّ في المقام بمعنى أن ترتيب آثار التعبّد هو المتيقّن في مقام الشّكّ وإن كان أطراف الشّبهة من قبيل المتباينين ثمّ إنّك قد عرفت أنّ ثمرة اعتبار الظواهر من باب الظنّ النّوعي أو التّعبّد أنّما تظهر في رفع اليد عن أصالة الحقيقة أو أصالة عدم التقيّة عند دوران الأمر بين رفع اليد عن إحداهما وذلك لأنّ هذين الأصلين إمّا أن يعتبرا من باب الظنّ النّوعي أو التّعبد العقلائي أو تعتبر الظّواهر من باب الظنّ النّوعي وأصالة عدم التقيّة من باب التعبّد العقلائي أو بالعكس فعلى الأوّل يمكن ترجيح أصالة عدم التّقية على أصالة الحقيقة بأن يحمل الكلام على خلاف الظّاهر لبيان الواقع لا لغرض آخر من جهة تأيّد غلبة إيراد الكلام لبيان الواقع بغلبة المعاني المجازيّة بالنّسبة إلى الحقيقيّة كما ادعاه الحاجبي لاستلزام نفي التقيّة لإرادة معنى مجازي لا محالة فيحصل من أصالة عدم التقيّة ظنّ أقوى من الظنّ الحاصل من أصالة الحقيقة المبتنية على غلبة إرادة المعاني الحقيقيّة وعلى الثّاني لا ترجيح في البين وعلى الثّالث يمكن ترجيح أصالة الحقيقة على أصالة عدم التقيّة لفرض كونها دليلا بالنّسبة إليها على هذا الفرض وبالعكس على الرّابع هذا كلّه على تقدير تمييز جهة اعتبار الأصلين وإلاّ فمع الجهل بها لا تترتب ثمرة على المقام (قوله) وهذا وإن لم يرجع إلى الاستصحاب إلخ لأنّ المراد بقولهم استصحاب حكم العام والمطلق حتّى يثبت المخصّص والمقيّد هو استصحاب ظهورهما في العموم والإطلاق حتّى يثبت المخصّص والمقيّد ولا ريب أنّ ظهور الألفاظ ليس قابلا للاستصحاب لكونه من الأمور العرفيّة الوجدانيّة فإن ثبت الظّهور يعمل بالظاهر وإلاّ ينتفي مناط العمل به وبمجرّد استصحاب الظّهور لا يثبت للفظ ظهور اللهمّ إلا أن يكون مرادهم باستصحاب حكم العام استصحاب عدم المخصّص لأنّه منشأ الظهور واستصحاب الحكم المستفاد من الكلام المتضمن للعام ولعلّ أحد هذين الوجهين مراد المصنف رحمهالله بالتّأويل لكنهما لا يخلوان من نظر أمّا الأوّل فإنّه أنّما يتم إذا كان المخصّص المحتمل من قبيل الألفاظ إذ يصحّ حينئذ أن يقال الأصل عدم صدور لفظ مخصّص للعام بخلاف ما لو كان من قبيل الحال إذ لا يصحّ أن يقال الأصل صدور العام في حال لم تكن تلك الحال مخصّصة له لعدم العلم بصدوره في مثل هذه الحالة حتّى تستصحب فإن قلت يمكن أن يقال الأصل عدم وجود حال مخصّصة نظير ما قلت من أنّ الأصل عدم صدور لفظ مخصّص قلت إنا قد علمنا صدور العام في حال من الحالات والشّكّ في كون هذه الحالة مخصّصة له وعدمه ولا علم بعدم كونها مخصّصة له في زمان حتّى يستصحب