الاستصحاب في عدم ملاحظة الحالة السّابقة فيها السّادس كونها من جهة خصوص عدم القرينة عند الشك فيها وثالثها كون اعتبارها من باب التّعبد العقلائي وتظهر الثمرة بينه وبين الظنّ النّوعي فيما دار الأمر فيه بين رفع اليد عن أصالة الحقيقة وبين رفعها عن أصالة عدم التقيّة أو أصالة عدم السّهو والنسيان في الكلام لأنّا لو قلنا باعتبار الأولى من باب الظنّ النّوعي وباعتبار الأخيرتين من باب التعبّد العقلائي كانت الأولى حاكمة عليهما لكون المفيد للظن النّوعي دليلا حاكما على ما هو المعتبر من باب التعبّد وكذلك العكس في صورة العكس ثمّ إنّ كلا من الظنّ النّوعي والتّعبّد العقلائي إمّا أن يعتبر مطلقا أو مقيّدا بعدم قيام دليل غير معتبر على خلافه وإمّا أن يفصل في الظنّ القائم على خلافه بين الظنّ الّذي علم عدم اعتباره كالقياس ونحوه وما لم يقم دليل على اعتباره كالشّهرة ونحوها بالقول باعتبار الظّواهر في مقابل الأوّل دون الثّاني وأمّا التفصيلان اللّذان أشار إليهما المصنف رحمهالله فسيأتي الكلام فيهما وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ اعتبار الظّواهر من باب الظنّ الشّخصي ممّا لم يقم دليل عليه بل الدّليل من بناء العقلاء وإجماع العلماء وأخبار أهل العصمة عليهمالسلام قائم على خلافه أمّا الأوّل فناهيك فيه من ملاحظة سلوك العبيد في امتثال أوامر مواليهم لأنّه لو أمر المولى عبده بضيافة العلماء مثلا ولم يحصل للعبد ظنّ بإرادة المولى ضيافة الجميع فأضاف بعضهم كالفقهاء معتذرا بعدم حصول الظنّ له بإرادة العموم الأصولي فلا ريب أنّه لا يسمع منه ذلك وكان مستحقّا للذمّ والتوبيخ وأمّا الثّاني فواضح إذ لا ريب في استقرار طريقة العلماء بالعمل بالعمومات وإن لم يحصل لهم الظنّ بإرادة العموم بل مع حصول الظنّ بخلافها من الشّهرة ونحوها فضلا عن القياس ونحوه وهذه طريقتهم لا يسع لأحد إنكارها وأمّا الثّالث فلدلالة جملة من الأخبار الدّالة على حجيّة الكتاب على عدم اعتبار ظواهرها إلا من حيث هي لا من حيث إفادتها للظنّ الشّخصي مثل سؤاله عليهالسلام من سأله عن جواز طلاق العبد بأنّه شيء أم لا فأجابه بقوله نعم فقال له الإمام عليهالسلام (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) وقد أشار إلى كون مثل هذا الحكم غير محتاج إلى السّؤال لكونه مستفادا من ظاهر الكتاب مع عدم إفادته للظنّ الشّخصي لكلّ أحد ولو كان المناط في اعتبار ظاهره هو حصول الظنّ الشّخصي منه كان للسّائل أن يقول ما يحصل لي الظنّ منه وبالجملة أنّ ظاهر تفريع الإمام عليهالسلام الحكم المذكور على ظاهر الكتاب من دون تعرض لمناط اعتباره هو كون اعتباره من حيث هو لا من حيث إفادته للظّنّ الشّخصي ومثل قوله عليهالسلام في رواية عبد الأعلى المتقدّمة في تضاعيف أدلّة حجيّة ظواهر الكتاب أن هذا وشبهه يعرف من كتاب الله موميا إلى كون مثل هذا غير محتاج إلى السّؤال ومثل تمسّك فاطمة عليهاالسلام بقوله سبحانه (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) في قصّة فدك بمحضر من المهاجرين والأنصار ولم ينكر عليها أحد ذلك بعدم إفادة هذه الآية للظن الشّخصي في خصوص أولاد الأنبياء عليهمالسلام وكذلك قضيّة ابن الزّبعري حيث إنّ النّبي صلىاللهعليهوآله لم يقل له إنّ لفظ ما لا يفيد الظنّ بالعموم بل أجاب بكونه لغير العاقل وبالجملة أنّ التّأمّل في هذه الأخبار ولو في مجموعها لا يرتاب في عدم كون اعتبار الظواهر من باب الظنّ الشّخصي وبقي اعتبارها من باب الظنّ النّوعي أو التعبّد ولا وجه لتخصيص اعتبارها حينئذ بعدم قيام ظن غير معتبر على خلافها إمّا بالنّسبة إلى القياس ونحوه ممّا علم عدم اعتباره شرعا فواضح لمخالفته لطريقة علمائنا كافّة بل العامّة أيضا لعدم العبرة عندهم بالاجتهاد في موارد النصّ وأمّا بالنّسبة إلى مثل الشّهرة ممّا لم يقم دليل على اعتباره بالخصوص فلمّا عرفت من مخالفته لإطباق الأصحاب ما ذكره صاحب المدارك من أن مخالفة الحديث الصحيح مشكل ومخالفة الأصحاب أشكل فهو كما أشار إليه المصنف رحمهالله توقّف من حيث عروض الوهن للسّند لأجل مخالفته للشّهرة لا من حيث عروضه للدّلالة وبعد ثبوت عدم الاعتداد بالظّنون غير المعتبرة المخالفة للظواهر يدور الأمر بين اعتبارها من باب الظنّ النّوعي مطلقا والتّعبّد كذلك ولا سبيل إلى الثّاني إذ لا شكّ أنّ اعتبارها ليس من باب التّعبّد الشّرعي بأن يتعبّد بأصالة عدم القرينة بحكم الشّارع بل هو من باب إمضاء الشّارع لما استقرّ عليه بناء العقلاء لأنّ العمل بالظواهر ثابت في سائر الأديان أيضا بل عند من لم يتدين بدين أصلا أيضا فلا بد أن يكون حكم الشّارع باعتبارها من باب الإمضاء والتقرير لما استقرّت عليه طريقتهم ولا ريب أنّ العقلاء لا يبنون على شيء من دون ملاحظة رجحان فيه وبعد ما عرفت من بطلان كون رجحان الظّواهر لأجل إفادتها للظنّ الشّخصي تعيّن أن يكون ذلك لأجل إفادتها للظن النّوعي دون التعبّد المحض فإن قلت إنّ أقدامهم على العمل بالمرجوح يلزم على تقدير اعتبارها من باب الظنّ النّوعي أيضا إذ مقتضاه الأخذ بها ولو مع الظنّ بخلافها فضلا عن صورة الشّكّ قلت ليست الحال على ما وصفت لأنّ الظن النّوعي قد أخذ فيه ما لم يؤخذ في التّعبّد لأنّ الظّواهر على الأوّل قد لوحظ فيها كونها مفيدة للظنّ بالطّبع ما لم يمنعها مانع وحينئذ فغلبة مطابقتها للواقع تصلح مرجحة للعمل بها عندهم وإن لم تكن مفيدة للظنّ الفعلي في بعض الأحيان بخلاف ما لو اعتبرت من باب التعبد لكون جهة المطابقة للواقع والكشف عنه ملغاة حينئذ في العمل بها وممّا يشهد بكون هذا الرّجحان النوعي صالحا للتّرجيح في عمل العقلاء اختلاف العلماء بعد تمهيد مقدّمات دليل الانسداد في كون نتيجتها اعتبار الظّنون الشّخصيّة أو النّوعيّة وقد اختار الثّاني جماعة ولو لم يكن هذا الرّجحان النّوعي المبني على غلبة المطابقة صالحا للتّرجيح عند العقلاء لم يكن وجه لاعتبار العقل ذلك ومذهب المحقّقين في ذلك وإن كان اعتبار الظنون الشخصيّة إلا أن اختلافهم فيه كاف في استشهاده بما ذكرناه ومثله ما ذكره المحقق القمي ره لأنّه بعد أن التجأ في إخراج القياس من تحت مؤدّى دليل الانسداد إلى بعض الوجوه قال والجواب أنّ تكليف ما لا يطاق وانسداد باب العلم