لإطباقهم على التّخيير في القراءة بأنحاء القراءات (قوله) إنّ وقوع التّحريف في القرآن على القول به إلخ ذهب إليه الأخباريون والحشوية وحكي عن الكليني وشيخه عليّ بن إبراهيم القمي رحمهالله وأحمد بن أبي طالب الطّبرسي صاحب الاحتجاج خلافا للأصوليين فذهبوا إلى نفي وقوع التحريف في القرآن واختاره أبو علي الطبرسي صاحب التّفسير والشّيخ والمرتضى والصّدوق وهو المختار وحجّة الأخباريين أخبار كثيرة ادعى السّيّد الجزائري في كشف الأسرار وأبو أحمد محمّد بن عبد النبي الخراساني في رسالته المسمّاة بتحفة جهان باني تواترها منها ما روي مستفيضا بل متواترا كما قيل عن أمير المؤمنين عليهالسلام حيث سئل عن المناسبة بين قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) وقوله (فَانْكِحُوا) الآية أنّه قد سقط من بينهما أكثر من ثلث القرآن ومنها ما روى مستفيضا أنّ آية الغدير هكذا نزلت يا أيّها الرّسول بلغ ما أنزل إليك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته ومنها ما في تفسير العياشي عن أبي جعفر عليهالسلام قال لو لا أنّه زيد في كتاب الله ونقص ما خفي حقنا على ذي حجى ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المساق وتدل على المختار وجوه أحدها الأصل وثانيها الإجماعات المحكيّة عن الشيخ والطّبرسي والمرتضى والصّدوق قال الشّيخ في التّبيان وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق بالذّكر لأنّ الزّيادة فيه مجمع على بطلانه وأمّا النّقصان منه فالظّاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصّحيح من مذهبنا وهو الّذي نصره المرتضى وهو الظّاهر من الرّوايات غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من أي القرآن ونقل شيء من موضع إلى موضع طريقها الآحاد لا توجب علما والأولى الإعراض عنها وترك التّشاغل بها لأنّها يمكن تأويلها وقال الطّبرسي في مقدّمات تفسيره أمّا الزّيادة فيه فمجمع على بطلانها وأمّا النّقصان فيه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييرا ونقصانا والصّحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الّذي نصره المرتضى واستوفي الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب مسائل الطّرابلسيات ومن ثمّ أعرض عن الكلام في هذه الجم الغفير ومن تعرض ذهب إلى عدم السّقوط انتهى وقال الصّدوق أبو جعفر في اعتقاداته اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلىاللهعليهوآله هو ما بين الدفتين وما في أيدي النّاس ليس أكثر من ذلك قال ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب انتهى وقال علم الهدى أنّ من خالف ذلك من الإماميّة والحشوية لا يعتد بخلافهم فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنّوا صحّتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع صحّته وثالثها الآيات والأخبار الدّالة على كون القرآن محفوظا من قبل الله تعالى وعلى جواز التّمسّك به المنافي لوقوع التّحريف والزّيادة والنّقصان فيه منها قوله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ومنها قوله سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ومنها قوله عزوجل (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) إلى غير ذلك من الآيات الموضحة للمراد فتأمل وأمّا الأخبار فقد روى الطّبرسي في احتجاجه بإسناده إلى محمّد بن علي الباقر عليهالسلام حديثا طويلا يذكر فيه خطبة الغدير وفيها قال صلوات الله عليه معاشر النّاس تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا محكماته ولا تتّبعوا متشابهه فو الله لن يبيّن لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلاّ الّذي أنا آخذ بيده ومصعده إليّ وشائله بعضده ومعلّمكم إن من كنت مولاه فهذا علي بن أبي طالب أخي ووصيي مولاه وموالاته من الله عزوجل أنزلها على إلى غير ذلك من الأخبار الدّالّة على جواز التّمسّك بالكتاب وقد تقدّم سابقا شطر منها ورابعها أنّ القرآن عماد الدّين وأساس الشّرع المبين لكونه معجزا ومصدّقا للنّبي صلىاللهعليهوآله فلو لعبت به أيدي المحرفين بالزّيادة أو النقيصة لعيرنا الكفّار لمنافاة ذلك لما ذكرناه من كونه معجزا ومصدقا للنّبي صلىاللهعليهوآله إلى قيام القيمة وفي المأثور أنّ ثلث القرآن فيهم وفي عدوّهم وليس فيما في أيدينا فيهم وفي عدوّهم عشره فلو لم ناوله ومثله كان صادما في إعجازه وحكى الشّيخ أبو علي الطّبرسي عن السّيّد الأجلّ المرتضى علم الهدى ذي المجدين أبي القاسم عليّ بن الحسين الموسوي قدسسره أنّه قد ذكر في مواضع أنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت حدّا لم تبلغه فيما ذكرناه لأنّ القرآن معجز النّبوة ومأخذ العلوم الشّرعيّة والأحكام الدّينيّة وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيّرا ومنقوصا مع العناية الصّادقة والضّبط الشّديد انتهى اللهمّ إلا أن يقال إنّ ما يرد على المسلمين من جهة وقوع التحريف في القرآن ليس بأعظم ممّا ورد عليهم من جهة طبخ عثمان بن عفان للمصاحف بالماء على النّار سوى مصحف علي عليهالسلام وابن مسعود كما تقدّم في بعض الحواشي السّابقة ولو بلغت عنايتهم في حفظه وحراسته إلى ما ذكرته لم يقع منه مثل هذا الأمر المنكر الشّنيع الّذي أوجب كفره وعالج متابعوه في رفع شناعته بالتزام كون كلام الله نفسيّا قائما بالذات الأزليّة وإنّ المكتوب في الصّحف نقوش وخطوط حاكية عنه لا أنّه نفس كلامه سبحانه ويؤيّد عدم عنايتهم بأمر القرآن عراء المصاحف القديمة عن النّقط والإعراب ونقل أنّ أبا الأسود الدّؤلي قد أعرب مصحفا في زمان معاوية عليه الهاوية وكيف كان ففيما قدّمناه من الأدلّة السّاطعة كفاية لمن له دراية وحينئذ لا بدّ من تأويل ما دلّ بظاهره على وقوع التّحريف في القرآن وهو من وجوه أحدها أن يكون المراد بالنقص النّقص في أصل نزول القرآن بأن كان الله تعالى قد أظهر في لوح المحو والإثبات