وجوب تواتر الهيئة وقد عرفت أنّ ظاهر الأكثر خلافه وبالجملة أنّ كلماتهم في المقام غير محررة وكيف كان فحجّة من ادعى تواتر الجميع من الجوهر والمادّة والهيئة أنّ القرآن من قبيل اللّفظ فكما أنّ الجوهر جزء مادّي له كذلك الأداء والهيئة جزء صوري له وإذا ثبت اعتبار التّواتر في القرآن ثبت اعتبار تواتره بكلا جزءيه ومع التّسليم أنّ الأداء والهيئة من اللّوازم المساوية للفظ فمع تواتر الجوهر يلزم تواتر لازمة أيضا وحجّة المفصّل لعلّها أنّ الآيات قد كتبت في زمان النّبي صلىاللهعليهوآله بما يصلح نقشا لما تكلم به النّبي صلىاللهعليهوآله عارية عن النّقط والإعراب وبعد جمعها كذلك قد صارت تمام القرآن وهذه النقوش قد نقلت متواترة إلى القراء السّبعة فتصرفوا في أدائها وهيئتها بما أدى إليه اجتهادهم ومما يشهد به أنّ جماعة من العلماء قد بنوا على صحّة قراءة عاصم وحكموا بشذوذ قراءة ابن مسعود مع كونه من مشايخه إذ لو لم تكن قراءتها مبنيّة على الاجتهاد فلا وجه للتفصيل بالحكم بصحّة قراءة أحدهما وشذوذ الآخر لأنّه لا بدّ حينئذ من الحكم بصحّة كلّ منهما لفرض تواترهما عن النبيّ صلىاللهعليهوآله مع أنّ شذوذيّة قراءة الشّيخ يستلزم شذوذيّة قراءة تلميذه أيضا لا محالة لكونه أخذا منه وناقلا عنه ولعلّه لما ذكرناه قد ذكر الشّهيد الثاني في شرح الألفية فيما حكي عنه قائلا واعلم أنّه ليس المراد أن كلما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار المتواتر الأن فيما نقل من هذه القراءات فإن بعض ما نقل من السّبعة شاذ فضلا عن غيرهم كما حقّقه جماعة من أهل هذا الشّأن والمعتبر القراءة بما تواتر من هذه القراءات وإن ركب بعضها في بعض ما لم يترتّب بعضها على بعض بحسب العربيّة فيجب مراعاته كتلقي آدم من ربّه كلمات فإنّه لا يجوز الرّفع فيهما ولا النّصب وإن كان كلّ منهما متواترا بأن يؤخذ رفع آدم من غير قراءة ابن كثير ورفع كلمات من قراءته فإنّه لا يصلح لفساد المعنى ثمّ إنّه قد ذكر في ذيل كلامه ما ينافي صدره حيث قال وأمّا اتباع قراءة واحدة من العشر في جميع السّورة فغير واجب قطعا ولا مستحبّ فإنّ الكلّ من عند الله نزل به الرّوح الأمين على قلب سيّد المرسلين تخفيفا عن الأمّة وتهوينا على أهل هذه الملّة انتهى وقد أشار بالتخفيف والتّهوين إلى ما تقدم من رواية الخصال المتضمّنة لسؤال رسول الله صلىاللهعليهوآله التّوسعة في قراءة القرآن ووجه المنافاة واضح إذ إنكار تواتر الجميع ينافي دعوى كون الجميع من عند الله ويمكن دفع المنافاة بحمل ما ذكره من كون الكلّ من عند الله وممّا أنزله الرّوح الأمين على قلب سيّد المرسلين على كون جميع القراءات من حيث الجوهر كذلك وما ذكره من نفي كون الجميع متواترا على نفي كون جميع الألفاظ مع كيفيّة أدائها وهيآتها كذلك فتدبّر وتحقيق المقام أنّ القراءات تتصوّر بوجوه أربعة أحدها أن يتخلف باختلافه خطوط المصاحف ومعناها أعني المصاحف الموجودة في عصر النّبي صلىاللهعليهوآله وهذا مما لا إشكال فيه إذ لو لم يكن الجميع حينئذ متواترة فلا بدّ إمّا من الحكم بتواتر بعضها بالخصوص وهو تحكم باطل وإمّا من الحكم بعدم تواتر الجميع أو بعض غير معيّن وهو مستلزم لعدم كون هذا القسم من القرآن لاتفاقهم على اعتبار التواتر فيه وهو ضروري البطلان والظّاهر أنّه لا كلام لهم في ذلك وعليه يمكن تنزيل ما تقدّم عن الشّهيد الثاني من حصر المتواتر في السّبع لا كون الجميع متواترا بأن أراد تخصيص المتواتر بما يختلف باختلافه الخطّ والمعنى وأنّ هذا في جملة السّبع وربّما يؤيّده تمثيل العلاّمة بعد دعوى الإجماع على تواتر السّبع بمثل ملك ومالك وثانيها أن يختلف باختلافه المعنى دون اللّفظ مثل يطهرن ويطهّرن بالتخفيف والتّشديد وثالثها عكس ذلك مثل يرتدّ ويرتدد وهذان القسمان أيضا ممّا لا يمكن نفي تواتر الجميع فيهما لما ذكرناه من الوجه ورابعها أن لا يختلف باختلافه شيء من اللّفظ والمعنى مثل قراءة والأرحام بالجرّ والنّصب أو غير ذلك من كيفيّات تأدية الألفاظ مثل المدّ واللّين والتفخيم والترقيق والإدغام والرّوم ونحوها وهذا هو الّذي يمكن لمنكري التّواتر إنكاره فيه وحيث قد عرفت أنّ الأقوى عدم ثبوت التّواتر نقول بجواز القراءة في هذا القسم بمقتضى القواعد العربيّة وإن لم ينطبق على شيء من القراءات السّبع ولا يحكم ببطلان الصّلاة لو أخل فيها بشيء من ذلك وإن قرأ به السّبعة إذا وافق القواعد العربيّة نعم يجب في المدّ مدّ الصّوت بمقدار زمان امتداد التّكلّم بألف لا ما هو الدّائر على ألسنة المتحلين بهذا العلم من مدّ الصّوت بمقدار زمان المتكلم بأربعة ألفات لأنّ ما ذكرناه هو المتعارف عند المتكلمين بهذه اللّغة وربّما يقال بأنّ أصل المدّ واللين ونحوهما متواتر والمنفي مقادير المدّ وكيفيّة الإمالة قال بعض الشّافعيّة في مقام تفسير مراد الحاجبي فيما تقدّم من كلامه ومراده بالتمثيل بالمدّ والإمالة مقادير المدّ وكيفيّة الإمالة لا أصل المدّ والإمالة فإنّه متواتر قطعا فالمقادير كمدّ حمزة ودرش بقدر ستّ ألفات وقيل خمس وقيل أربع ورجحوه وعاصم بقدر ثلاث والكسائي بقدر ألفين ونصف وقالون بقدر ألفين والسّوسي بقدر ألف ونصف ونحو ذلك وكذلك الإمالة تنقسم إلى محضة وهي أن ينحي بالألف إلى الياء وبالفتحة إلى الكسرة وبين بين وهي كذلك إلاّ أنّها تكون إلى الألف أو الفتحة أقرب وهي المختار عند الأئمّة أمّا أصل الإمالة فمتواترة قطعا وكذلك التّخفيف في الهمزة والتّشديد فيه منهم من يسهّل ومنهم من يبدّله ونحو ذلك فهذه الكيفيّة هي الّتي ليست متواترة ولهذا كره أحمد قراءة حمزة لما فيها من طول المدّ والكسر والإدغام ونحو ذلك وكذا قراءة الكسائي لأنّها كقراءة حمزة في الإمالة والإدغام كما نقل ذلك السّرخسي في الغاية فلو كان ذلك متواترا لما كرهه أحمد لأنّ الأمّة إذا كانت مجمعة على شيء فكيف يكره انتهى والحقّ ما عرفت الثّانية أنّه قد صرّح غير واحد من العلماء بذهاب القائلين بتواتر السّبع أو العشر أو أزيد إلى عدم جواز القراءة بغيرها لأنّ