السّلف الّذي لا يعرف من أحد منهم خلافه قال أبو شامّة في كتاب المرشد الموجز فلا ينبغي أن يقرأ بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمّة السّبعة ويطلق عليها الصّحّة وإن هكذا نزلت إلاّ إذا دخلت في هذا الضّابط وحينئذ لا يتفرد بها مصنف دون غيره ولا يختصّ ذلك بنقلها عنهم بل إن نقلت عن غيرهم من الفرّاء فذلك لا يخرجها عن الصّحة فإنّ الاعتماد فيما نقل عنهم على استجماع تلك الأوصاف لا على من نسب إليه غير أنّ هؤلاء السّبعة لشهرتهم وكثرة الصّحيح المجمع عليه في قراءتهم تركن النّفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم انتهى وهو كما ترى صريح في أنّ المعيار في الصّحة أنّما هو ما ذكروه من الضّابط لا مجرّد وروده عن السّبعة فضلا عن العشرة وإنّ العمل على هذا الضّابط مذهب السّلف والخلف فكيف يتمّ ما ادعاه أصحابنا من تواتر هذه السّبع ويؤيّد ذلك ما نقله شيخنا المحدّث الصّالح الشّيخ عبد الله بن صالح البحراني قال سمعت شيخي علاّمة الزّمان وأعجوبة الدّوران يقول إنّ جار الله ينكر تواتر السّبع ويقول إنّ القراءة الصّحيحة التي قرأ بها رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّما هي في صفتها وأنّما هي واحدة والمصلّي لا تبرأ ذمّته من الصّلاة إلاّ إذا قرأ فيما وقع فيه الاختلاف على كلّ الوجوه كمالك وملك وصراط وسراط وغير ذلك انتهى كلام صاحب الحدائق وقال المحقق الكاظمي عند شرح قول الفاضل التوني وقدماء العامّة اتفقوا على عدم جواز العمل بقراءة غير السّبعة أو العشرة المشهورة أقول هذا أنّما وقع فيما اشتهر من كتب المتأخّرين وأمّا متقدموهم فعلى خلاف ذلك فقال أبو بكر بن العربي ليست هذه السّبع متعينة للجواز حتّى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم فإن هؤلاء مثلهم أو فوقهم قال في الإتقان وكذا غير واحد منهم مكّي وأبو علي الهمداني وآخرون من أئمّة القرآن هذا كلامه ثمّ حكى عن أبي حيّان ما يؤدّي ذلك وكذا عن القرّاء وأبي شامة في المرشد ثمّ ذكر ما تقدّم حكايته في كلام المحدّث البحراني من كلام ابن الجوزي وقد تحقق ممّا قدّمناه أنّ الحقّ عدم تواتر السّبع وهنا فوائد الأولى أن ظاهر إطلاق أكثر من ادّعى تواتر السّبع وعزاه بعض الشافعيّة إلى الجمهور هو تواترها بحسب جوهر الألفاظ وأدائها وكيفيّاتها والمراد بالجوهر ما يختلف به المعنى أو الخطوط أو هما معا والأوّل مثل ملك على صيغة الماضي وملك بفتح الفاء وكسر العين أو تسكينها والثاني إمّا بحسب اللّغة مثل كفؤا بالهمزة والواو ومخففا ومثقّلا أو بحسب الصّرف مثل يرتدّ ويرتدد ويخدعون ويخادعون أو بحسب النّحو مثل لا يقبل منها شفاعة بالياء والتّاء والثّالث مثل مالك بالألف على قراءة عاصم والكسائي والخلف ويعقوب الحضرمي وملك على قراءة الباقين والمراد بالأداء ما يتعلّق بكيفيّة أداء اللّفظ مثل المدّ والإمالة والتفخيم والتّرقيق والإشمام والرّوم وبالهيئة هي الحركات والسّكنات في أوّل الكلمة أو وسطها أو آخرها وغرضهم من إثبات تواتر السّبع هو عدم جواز القراءة بغيرها وإن وافق القواعد العربيّة والمعاني اللغويّة وممّا يشهد به وبكون مرادهم بتواتر السّبع أعمّ من تواترها بحسب الجوهر والأداء والكيفيّة اتفاقهم من دون ظهور خلاف سوى ما يظهر من المرتضى على بطلان الصّلاة لو أخل بحركات الفاتحة والسّورة فيها بمعنى أن يقرأ بغير ما قرأ به السّبعة وإن كانت موافقة للقواعد العربيّة ولم يتغير بها المعنى كان ينصب الرّحمن الرّحيم أو يرفعهما وأمّا مخالفة المرتضى فلأنه قد صحّح صلاة من أخلّ بقراءة السّبعة ما لم يؤد إلى خلل في المعنى ولو كان مرادهم بتواتر السّبع تواترها بحسب الجوهر خاصّة لم يسعهم ذلك هذا وربّما يظهر من بعض المدّعين لتواتر السّبع تفصيل في المقام وكلماتهم لا تخلو عن تشويش واضطراب قال ابن الحاجب القراءات السّبع متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمدّ والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوها لنا لو لم تكن متواترة لكان بعض القراءات غير متواتر كملك ومالك ونحوهما وتخصيص أحدهما تحكم باطل لاستوائهما انتهى وقال العضدي في شرحه القراءات السّبع منها ما هو من قبيل الهيئة كالمدّ واللّين وتخفيف الهمزة والإمالة ونحوها وذلك لا يجب تواتره ومنها ما هو من قبيل جوهر اللّفظ نحو ملك ومالك وهذا متواتر وإلاّ كان غير متواتر وهو من القرآن فبعض القرآن غير متواتر وقد بطل لما مرّ ولا يمكن أن يصار إلى أحدهما بعينه فيقال إنّه المتواتر دون الآخر وذلك الواحد هو القرآن لأنّه تحكم باطل لاستوائهما بالضّرورة انتهى وقال المحقق البهائي رحمهالله في زبدته والسّبع متواترة إن كانت جوهرية كملك ومالك وأمّا الأدائية كالمدّ والإمالة فلا انتهى وقال الفاضل الجواد في شرح العبارة القراءات السّبع قسمان منها ما هي جوهريّة أي من قبيل جوهر اللّفظ كملك ومالك والمراد بها ما تختلف خطوط المصحف به والمعنى باختلافه ومنها ما هي أدائية أي من قبيل الهيئة كالمد واللّين والمراد بها خلاف ذلك والثاني لا يجب تواتره فيجوز كونه آحاديّا مع تواتر اللفظة التي تتّصف به لأنّ القرآن هو الكلام وصفات الألفاظ ليست كلاما والأوّل يجب تواتره لأنّه قرآن وقد ثبت اشتراط التّواتر فيه فلو كان غير متواتر لكان بعض القرآن غير متواتر وقد بطل انتهى وهذه الكلمات كما ترى مفصّلة بين الجوهريّة والأدائيّة المفسّرة بالهيئة في كلام الفاضل الجواد ولعلّ المراد بها ما يشمل المدّ واللين والحركات الإعرابيّة والبنائيّة ونحوها هذا مع عدم بيان المراد بالجوهريّة سوى ما عرفته من الفاضل الجواد تبعا لجماعة وهو ما تختلف خطوط المصحف ومعناه باختلافه ويلزمه أن لا يكون ما اختلف خطّه دون معناه أو بالعكس باختلافه متواترا وما ليس بتواتر ليس بقرآن اتفاقا وإثبات عدم كون أمثال ذلك من القرآن دونه خرط القتاد لما يلزم عليه من كون بعض القرآن متواترا دون بعض وأورد الفاضل الجواد سؤالا على نفسه في دعوى عدم تواتر الهيئة بقوله لا يقال الهيئة جزء صوري للفظ كما أنّ الجوهر جزء مادّي له فإذا اشترط في القرآن التّواتر وجب تواتره بكلا الجزءين فيجب تواتر الهيئة أيضا وأجاب عنه بعد تسليم كون الهيئة جزء صوريّا بانعقاد الإجماع على عدم وجوب تواتر القرآن بتلك الهيئة وهو كما ترى صريح في انعقاد الإجماع على عدم