فهم لا يتبعون أحدا وإنّما هم متبعون لا تابعون انتهى وخامسها لزوم التّناقض في الأحكام الواقعيّة لو كان جميع القراءات متواترا عن النّبي صلىاللهعليهوآله فيما كان اختلاف القراءة موجبا لاختلاف الحكم كما في قوله سبحانه (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) حيث قرأ أهل الكوفة غير الحفص بالتّشديد والباقون بالتخفيف وعلى الأولى معناه حتّى يغتسلن وعلى الثّانية حتّى ينقطع الدّم عنهنّ ومن المعلوم الّذي لا تعتريه وصمة الريب أنّ حكم الله الواقعي ليس إلاّ أحدهما فكيف تمكن دعوى القطع بالتّواتر مع استلزامها لما هو باطل بالضّرورة من المذهب ومثله ما نقل متواترا عن قراءة كثير منهم من جواز ترك البسملة مع إطباق أصحابنا على عدم جوازه وبطلان الصّلاة به فلو كانت القراءات متواترة عن النّبي صلىاللهعليهوآله فكيف أجمعوا على خلافه أيضا وسادسها ما ذكره السّيّد الجزائري في كتاب كشف الأسرار من أنّه قد تواتر بين الشّيعة أنّ من جملة بدع عثمان التي أوجبت عليه الكفر ما قالوه من أنّه جمع ما عند النّاس من صحف القرآن فلم يترك عند أحد صحيفة فيها شيء من القرآن إلاّ أخذها منه غير عبد الله بن مسعود فإنّه امتنع من دفع صحيفته إليه فطالبه بدفعها فأبى فضربه حتّى كسر له ضلعين فبقي أيّاما ومات في ذلك ثمّ عمد إلى الصّحف فألّف منها هذا المصحف الّذي في أيدي النّاس وأمر مروان بن الحكم وزياد بن سميّة وكانا كاتبيه يومئذ أن يكتبا هذا المصحف ممّا ائتلفه من تلك الصّحف ودعا زيد بن ثابت وأمره أن يجعل له قراءة يحمل النّاس عليها ففعل ذلك ثمّ طبع تلك المصاحف بالماء على النّار ثم غسلها ورمى بها وهذا ممّا يدل على أنّه قد كان في تلك الصّحف زيادات كثيرة وآيات كره عثمان مضمونها وأن يطلع أحد من النّاس عليها فأصل هذه القراءات كلّها قراءة واحدة هي قراءة زيد ثمّ كثّرها القارون انتهى وقد ذكر في ذلك الكتاب وجوها أخر أيضا لا يخلو بعضها عن نظر فراجع ولاحظ ويؤيّد عدم تواتر السّبع أوّلا عدّهم قراءة النّبي صلىاللهعليهوآله أو علي عليهالسلام في قبال القراءات السّبع حيث يقولون في قراءة النّبي كذا وفي قراءة على كذا كما يظهر من الاختلاف المذكور في قوله تعالى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فلو كانت القراءات السّبع متواترة عن النّبي صلىاللهعليهوآله فلا وجه لعدّ قراءته أو قراءة أوصيائه عليهمالسلام في قبالها وثانيا ما ذكره العلاّمة في المنتهى تبعا لبعض العامّة كما سيجيء حيث قال وأحبّ القراءات إليّ ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عيّاش وطريق أبي عمرو بن العلاء فإنّها أولى من قراءة حمزة والكسائي لما فيهما من الإدغام والإمالة وزيادة المدّ وذلك كلّه تكلّف ولو قرأ به صحت بلا خلاف انتهى لأنّه لو كانت القراءات متواترة عن النّبي صلىاللهعليهوآله لا يبقى مجال لدعوى التّكلف في قراءة حمزة والكسائي وهذا مع دعوى العلاّمة للتواتر بل الإجماع عليه كما ترى وثالثا تخطئة جملة من محققي علماء الأدب بعض القراءات السّبع مثل نجم الأئمّة في الرّد على استدلال الكوفيين في تجويزهم العطف على الضّمير المجرور من دون إرادة الخافض بقراءة حمزة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) حيث قال ما لفظه إنّ حمزة جوّز ذلك بناء على مذهب الكوفيين لأنه كوفي ولا نسلم قراءات السّبع انتهى فتأمل وقد حكى المحقّق الكاظمي في شرحه على الوافية عن الزّمخشري عند حكاية قراءة ابن عامر قتل أولادهم شركاؤهم على الفصل بين المتضايفين حيث حكم بسماجة وروده كما سمج ورود زجّ القلوص أبي مزارة ثمّ قال والّذي حمله على ذلك أنّه رأى في بعض المصاحف شركاؤهم مكتوبا بالياء انتهى ورابعا ما ذكره الطّبرسي في بيان وجه نسبة القراءات إلى المشايخ السّبعة قائلا إنّما اجتمع النّاس على قراءة هؤلاء واقتدوا بهم فيها لسببين أحدهما أنّهم تجردوا لقراءة القرآن فاشتدت بذلك عنايتهم مع كثرة علمهم ومن كان قبلهم أو في أزمنتهم ممن نسبت إليه القراءة من العلماء وعدت قراءتهم من الشّواذ لم يتجرّدوا لذلك تجرّدهم وكان الغالب على هؤلاء الفقه والحديث أو غير ذلك من العلوم والآخر أن قراءتهم وجدت مسندة لفظا وسماعا حرفا حرفا من أوّل القرآن إلى آخره مع ما عرف من فضلهم وكثرة علمهم بوجوه القرآن انتهى ووجه التّأييد أنه لو كانت قراءتهم متواترة عن النّبي صلىاللهعليهوآله كان اللازم الاستناد في سبب الاشتهار إلى تواتر القراءات إليهم لا إلى الوجهين المذكورين فهما ينبئان عن ابتنائها على اجتهادهم فيها والتّحقيق بعد ملاحظة الأدلّة المتقدّمة والتّأييدات المذكورة هو حصول القطع ولا أقل من الظنّ القوي بعدم تواتر القراءات السّبع المعروفة عن النّبي صلىاللهعليهوآله إلى مشايخها وكونها مبتنية على اجتهادهم في إعمال القواعد العربيّة والوجوه الاعتباريّة كيف لا ومشايخ القراءات السّبع من العامّة العمياء ولا يورث أخبارهم القطع بالواقع وإن بلغوا في العدد إلى خمسين وتؤيّد ما اخترناه أيضا دعوى جماعة من العامّة إجماعهم على عدم تحقّق التواتر بل ربّما يتراءى من بعضهم كون ذلك من ضروريّات مذهبهم قال المحدث البحراني إن ظاهر جملة من العلماء العامّة ومحقّقي هذا الفنّ إنكار ما ادعي هنا من التّواتر أيضا قال الشّيخ العلاّمة شمس الدّين محمّد بن محمّد بن محمّد بن الجوزي الشّافعي المقبري في كتاب النّشر لقراءات العشر على ما نقله بعض مشايخنا المعاصرين كلّ قراءة وافقت العربيّة ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف الثمانيّة ولو احتمالا وصحّ سندها فهي القراءة الصّحيحة الّتي لا يجوز ردّها ولا يحلّ إنكارها بل من الأحرف السّبعة التي نزل بها القرآن ووجب على النّاس قبولها سواء كانت من الأئمّة السّبعة أم العشرة أم غيرهم من الأئمّة المنقولين ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثّلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذّة أو باطلة سواء كانت من السّبعة أو ممّن هو أكبر منهم هذا هو الصّحيح عند أئمّة التّحقيق من السّلف والخلف صرّح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد المدائني ونصّ عليه في غير موضع الإمام أبو محمّد مكي بن أبي طالب وكذلك الإمام أبو العبّاس أحمد بن عمّار المهتدي وهو مذهب