بسؤالهم وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام في قوله تعالى (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المساق وقد أشار المصنف رحمهالله إلى ما في القسم الأوّل منها وأمّا الثّاني ففيه أنّ هذه الأخبار من قبيل بيان البطون لا بيان المراد من الظواهر لأنّ للقرآن بطنا ولبطنه بطنا كما روى العيّاشي عن جابر قال سألت أبا جعفر عليهالسلام عن شيء من تفسير القرآن فأجابني ثمّ سألته ثانيا فأجابني بجواب آخر فقلت جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم فقال يا جابر إنّ للقرآن بطنا وللبطن بطنا وظهرا وللظهر ظهرا يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرّجال من تفسير القرآن أنّ الآية ليكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متّصل ينصرف على وجوه إلى غير ذلك ممّا دلّ على أنّ للقرآن بطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن ولا ريب أنّ تعدّد معاني القرآن بحسب ظواهره وبطونه لا يوجب المنع من التمسّك بظواهره ولا استعمالها في أكثر من معنى واحد كما قرّرناه في مبحثه مع أنّ دعوى أغلبيّة هذه ممنوعة إذ الباقية على ظاهرها هي الأغلب وهي لا تصدم في ظهور غيرها فيقتصر في ارتكاب خلاف الظّاهر على مورد النّصوص وأمّا الثّالث فإنّا نقول بمقتضى تلك الأخبار من اختصاص علم القرآن بالأئمة عليهمالسلام لأن القرآن اسم لما بين الدفتين ولا ريب أنّ العلم بمعاني جميع الآيات مختصّ بهم عليهمالسلام ومن هنا يظهر الجواب عمّا دلّ على كونهم أهلا له لأنّ من علم بظواهر الآيات أو مع جملة من بطونها بحسب تفسيرهم عليهمالسلام لا ينسب علم القرآن إليه ولا يقال إنّه أهل له إذ المحصّل لعلم النحو مثلا لا يقال له إنّه نحوي ما لم يتبحّر فيه ولم يستحضر مسائله لأنّه لا يقال أهل لكذا واستأهل لكذا إلاّ إذا كان حقيقا به ومن ذاك يقال لسكّان البيت أهل البيت لكونهم أحق بالسّكون فيه وبالجملة أن كونهم عليهمالسلام أهلا لعلم القرآن ونسبة علمه إليهم لا يستلزم عدم جواز تمسّك رعاياهم بما فهموه من ظواهره (قوله) من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ إلخ في المجمع في الحديث من طلب علما يباهي به العلماء فليتبوأ مقعده من النار أي لينزل منزله منها من بوّأت للرّجل منزلا هيّأته له أو من تبوأت له منزلا اتّخذته وأصله الرّجوع من باء إذا رجع وسمّي المنزل مباءة لكون صاحبه يرجع إليه إذا خرج منه انتهى (قوله) والجواب عن الاستدلال بها إلخ لا يذهب عليك أنّ هذا الجواب متجه بالنّسبة إلى ما عدا مرسلة شبيب لاشتمال ما عداها على التّفسير مطلقا أو مقيدا بالرّأي وأمّا بالنّسبة إليها فلا لظهورها في عدم جواز استنباط حكم من الأحكام من آية من الآيات على سبيل السّلب الكلّي لغير النّبي صلىاللهعليهوآله وأوصيائه المعصومين عليهمالسلام مع عدم اشتمالها على لفظ التّفسير مطلقا أو مقيّدا سيّما أن أبا حنيفة إنّما كان يعمل بظواهر الكتاب لا أنّه كان يؤوّله لعدم الاعتبار بالرأي عندهم مع الكتاب والسّنّة وبالجملة أنّها آبية عن الحمل على شيء ممّا ذكر في التّفسير مطلقا أو مقيّدا بالرّأي لكنّها لإرسالها غير ناهضة بنفسها للمدّعى مع أنّ قوله عليهالسلام ما ورثك الله من كتابه حرفا ظاهر في كون عمل أبي حنيفة بالقرآن من تلقاء نفسه على نحو ما ذكر في الوجه الثّاني من وجهي التّفسير بالرّأي لعدم صدق التّوريث بالعمل بالظّواهر على وجه معتبر (قوله) إذ التّفسير كشف القناع إلخ وقيل هو كشف المغطّى وعن الطّبرسي كشف المراد من اللّفظ المشكل وقيل غير ذلك وشيء منها لا يصدق على الأخذ بالظّواهر وأصل الفسر كما في الصّحاح البيان يقال فسرت الشّيء من باب ضرب بيّنته وأوضحته والتّشديد مبالغة ويظهر من الطّريحي أنّه مقلوب السّفر يقال أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته وأسفر الصّبح إذا ظهر وقال الفرق بين التّفسير والتّأويل هو أنّ التّفسير كشف المراد عن اللّفظ المشكل والتّأويل ردّ أحد المحتملات إلى ما يطابق الظاهر انتهى وقيل في ذلك غير ذلك ولا فائدة في نقله (قوله) أمّا حمل اللّفظ على خلاف ظاهره إلخ ويحتمل أيضا أن يكون المراد بالتّفسير ترك الظّواهر وتطبيق الألفاظ بما ارتسخ في الذّهن من الشبهات كما قال المشائيون إنّ المراد بما ذكره الشّارع في بيان المعاد بلفظ الجنّة والنّار والحور والقصور والفواكه والأشجار هو التشبيه والتّقريب للأفهام الظّاهرة وإلاّ فالمراد في الحقيقة اللّذات والآلام الرّوحانيّة الحاصلة للنّفس بعد خراب البدن بسبب تذكرها للأعمال الحسنة والسّيئة في دار الدّنيا وقد تؤدّي أمثال هذه التّأويلات إلى تغيير كلّ من اللّفظ والمعنى كما عن إتقان السّيوطي من أنّ رجلا ممن يدعي الباطن قال في قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) إنّ معناه من ذلّ أي من الذّل ذي إشارة إلى النّفس يشف من الشّفاء جواب من ع أمر من الوعى وأولع النّاس في هذه الطّريقة الصّوفيّة المسمّون أنفسهم بالباطنيّة وعنه أيضا عن بعضهم أنّ من جملة التّفاسير الّتي ألّفها أهل البدع والأهواء وفسروا القرآن بآرائهم تفسير عبد الرّحمن بن كيسان الأصمّ والجباني وعبد الجبّار والرّماني والزمخشري وأمثالهم ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة يدس البدع في كلامه وأكثر النّاس لا يعلمون كصاحب الكشّاف (قوله) وأمّا الحمل على ما يظهر إلخ قد أخذ هذا الوجه ممّا ذكره المحقّق الطّبرسي بعد نقل برهة من الآيات والأخبار الدّالّة على جواز العمل بظواهر الكتاب حيث قال فهذا وأمثاله يدلّ على أنّ الخبر متروك الظّاهر فيكون معناه إن صحّ أنّ من حمل القرآن على رأيه ولم يعلمه بشواهد ألفاظه فأصاب فقد أخطأ الدّليل وقال وقد روي عن النّبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوا على أحسن الوجوه وأقول إنّه من الواضح الّذي لا يعتريه ريب أنّ المراد بقوله في النبوي فأصاب فقد أخطأ ليس الخطأ حقيقة مع فرض الإصابة فلا بدّ أن يراد به الخطأ في كيفيّة الإصابة والمقصود بيان عدم ترتب آثار الإصابة عليها وحينئذ لا بدّ من حمل الخبر على الموارد الّتي لم تثبت فيها كفاية إصابة