كون الانسداد حكمة لجعل الشّارع للعمل بالظّنون الخاصّة ومنها الآيات فهو عين المدّعى لا أنّه مناف له ثمّ إنّه على تقدير حجيّة الكتاب لا فرق فيها بين مسائل الفروع وأصول الفقه لعموم أدلّتها فما يظهر من بعضهم من عدم جواز العمل به في أصول الفقه كما يظهر ممّن أورد على التمسّك بآية النبإ لإثبات حجيّة خبر العدل بأنّ حجّيته من مسائل الأصول ولا يعتد فيها بظاهر الآية ضعيف جدّا نعم لا يعتد به في أصول العقائد عند من اعتبر القطع فيها لعدم أدّائه إليه غالبا نعم يكتفي به فيها عند من يكتفي بالظنّ فيها كما سيأتي في محلّه (قوله) وأقوى ما يتمسّك لهم إلخ لهم وجوه أخر أيضا أحدها ما ذكره الأمين الأسترآبادي قال ومن جملتها يعني الوجوه الدّالة على عدم حجيّة الكتاب ترتب المفاسد على فتح ذلك الباب ألا ترى أنّ علماء العامة قالوا في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) إنّ المراد به السّلاطين انتهى وفيه أنّ ما ورد من طرقنا وطرقهم سيّما مع ما دلّ من البراهين القاطعة على وجود معصوم في كلّ زمان يكفينا في تأويل الآية بإرادة أشخاص معينة أعني أئمّتنا عليهمالسلام والإنصاف أنّ منع حجّية الكتاب للغرض الّذي دعي المستدلّ إلى ذلك فتح باب تشنيع على الإماميّة الثّاني أنّ أسلوب القرآن وإن كان عربيّا إلا أنّه أسلوب جديد وراء أساليب سائر الكتب وكلمات العرب كما يشهد به انتظام آياته واشتمالها على كيفيّات خاصة لم يعهد قبله وبعده كتاب ينسلك بهذا المسلك العجيب وينتظم بهذا المنهج الغريب ومن هذا اشتماله على رموز وإشارات مثل المقطعات الّتي لا يعلم تأويلها إلاّ الله والرّاسخون في العلم ومثل التعبير عن العشر بالجزء في قوله تعالى مخاطبا لإبراهيم (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) كما في رواية عبد الله بن سبابة قال امرأة أوصت إليّ وقالت ثلثي يقضى به ديني وجزء منه لفلان فسألت ابن أبي ليلى فقال لا أدري لها شيئا ما أدري ما الجزء فسألت أبا عبد الله عليهالسلام عن ذلك فقال كذب أبو ليلى لها عشر الثّلث إنّ الله تعالى أمر إبراهيم عليهالسلام فقال (اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) وكانت الجبال يومئذ عشرة والجزء هو العشر من الشّيء الحديث ويحتمل سائر الآيات أيضا أن يكون مثل ذلك فكيف يسع لأحد التمسّك بها من دون تفسير من أهل الذّكر عليهمالسلام وفيه أن تغاير أسلوب القرآن وأساليب سائر الكلمات وإن كان مسلّما إلاّ أنّه لا يجدي طائلا في إثبات مدعي الخصم لأنّ ذلك بعد الاعتراف بكونه عربيّا لا يوجب إجمال الظّواهر والخروج من مقتضى القواعد العربيّة والأوضاع اللغويّة سيّما مع جريان عادة عامّة النّاس جيلا بعد جيل على العمل بها وكذلك اشتماله على الحروف المقطّعة لا يصدم فيما ذكرناه إذ مقصودنا ليس إثبات حجية مثلها وإجمالها وعدم معرفة المراد منها لا ينافي حجيّة الظّواهر ولا يخرجها من الظهور ومن هنا يظهر ما في سائر كلماته وبالجملة أنّه لا بدّ من العمل بالظّواهر إلاّ فيما قام دليل معتبر على خلافها الثالث قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) قال السّيّد الصّدر في تقريب دلالته قد ذمّهم على اتباع المتشابه ولم يبيّن المتشابهات ما هي وكم هي بل لم يبيّن لهم المراد بهذه اللفظة وجعل البيان موكولا إلى خلفائه عليهمالسلام انتهى وفيه أولا منع كون المتشابه من متشابه المعنى لكون معناه من المفاهيم العرفيّة فيرجع إليه في تمييز معناه وقد ذكر الشّيخ الطّريحي في تفسير الآية أنّ المحكمات جمع المحكم وهو في اللّغة المضبوط المتقن وفي الاصطلاح على ما ذكره بعض المحقّقين يطلق على ما اتّضح معناه وظهر لكلّ عارف باللّغة وعلى ما كان محفوظا من النّسخ أو التّخصيص أو منهما وعلى ما كان نظمه مستقيما خاليا عن الخلل وعلى ما لا يحتمل من التّأويل إلاّ وجها واحدا وقال يقابله بكلّ من هذه المتشابه انتهى والظّاهر أنّ مقصوده جعل كلّ واحد من المحفوظ من النّسخ والتّخصيص ومنهما معنى مستقلا كما يظهر من شرح الوافية للمحقق الكاظمي وزاد فيه معنيين آخرين أحدهما ما كان متضمّنا لترتب الإفادة أمّا مع تأويل أو بدونه وثانيهما ما علم بظاهره من غير قرينة تقرن إليه ولا دلالة تدل على المراد وقال الشّيخ الطّريحي بعد ما نقلناه عنه فاعلم أنّ المحكم خلاف المتشابه وبالعكس ولا واسطة بينهما وقد نصّ اللّغويّون على أنّ المتشابهات هي المتماثلات يقال هذا شبه هذا أي شبيهه إلى أن قال ومن هذا تبيّن أنّ الظواهر ليست من المتشابه إذ ليس فيها شيء من هذه المعاني وإن احتملت ضعيفا خلاف المعنى الظّاهر انتهى وكيف كان فالمحكم على ما يقتضيه العرف واللّغة هو المعنى الثّاني أعني ما اتّضح معناه وظهر لكلّ عارف باللّغة والمتشابه خلافه وبعد معرفة معناهما يجب الأخذ بظاهرهما ما لم تقم قرينة على خلافه وثانيا منع عدم وصول بيان من الأئمّة عليهمالسلام في معنى المحكم والمتشابه وقد روى العيّاشي عن الصّادق عليهالسلام بعد بيان النّاسخ والمنسوخ أنّ المتشابه ما اشتبه على جاهله وظاهره أنّ المتشابه هو الكلام الّذي اشتبه المراد منه على من لم يطلع على المراد منه من الخارج وبالمقايسة يظهر حال المحكم أيضا وهو منطبق على ما قدّمناه من معناهما الرّابع ما ذكره الأمين الأسترآبادي قال إن ظنّ بقاء الآيات على ظاهرها أنّما يحصل للعامّة دون الخاصّة وقد مرّ بيانه في الفصل الخامس وذكر في ذلك الفصل أنّ العامّة يدعون أنّ كلّ ما جاء به النّبي صلىاللهعليهوآله أظهره عند أصحابه وما خصّ أحدا بتعليمه وتوفرت الدّواعي على أخذه ونشره ولم تقع بعده فتنة انتهت إلى إخفاء بعضه فعدم اطّلاع صاحب الملكة المعتبرة في الاجتهاد بعد التّتبع على دليل مخرج عن البراءة الأصليّة وعلى نسخ وتقييد وتخصيص وتأويل آية أو سنّة يوجب ظنّه بعدم وجودها في الواقع إلى أن قال وهذه المقدّمات باطلة على مذهبنا انتهى ووجه استلزام المقدّمات المذكورة لبقاء الآيات على ظاهرها على مذهب العامّة دون الخاصّة