المسجد الجامع من شيراز وكان الأستاذ المجتهد الشيخ جعفر البحراني والشّيخ المحدّث صاحب جامع الكلم يتناظران في هذه المسألة فانجرّ الكلام بينهما حتّى قال له الفاضل المجتهد ما تقول في معنى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فهل يحتاج في فهم معناه إلى الحديث فقال نعم لا نعرف معنى الأحديّة ولا الفرق بين الأحد والواحد إلاّ بذلك انتهى وثانيهما عدم جواز التمسّك بظواهر القرآن بخلاف نصوصه وذلك منهم إمّا لنفي ظاهر في القرآن وإمّا لدعوى ورود النّهي عن العمل بظواهره وقد نقل المحقّق القمي رحمهالله كما سيشير إليه المصنف رحمهالله أيضا عن بعض الأفاضل وعنى به السّيّد الصّدر أنّه قال إن أرادوا أنّه لا يجوز العمل بالظواهر الّتي ادعي إفادتها للظنّ المحتملة لمثل التّخصيص والتقييد والنّسخ وغيرها لصيرورة أكثرها متشابها بالنّسبة إلينا فلا يفيد الظنّ وما أفاد الظنّ منه منعنا عن العمل به مع قبول أنّ في القرآن محكما بالنّسبة إلينا فلا كلام معهم وإن أرادوا أنه لا محكم فيه أصلا فهو باطل ثمّ أورد عليه المحقّق المذكور بأن ما ذكره ليس إلاّ تشابها بالعرض ولا كلام فيه فهو خارج من محطّ النّزاع لعدم اختصاص التّشابه بهذا المعنى بالكتاب بل يجري في الأخبار أيضا مع أنّهم لا يمنعون من العمل بها وحاصل ما ذكره كون مراد الأخباريّين من تشابه القرآن هو التشابه الذّاتي مثل الإلغاز والتعمية لا العرضي النّاشئ من احتمال التّخصيص والتقييد والنسخ وغيرها وربّما يمنع اختصاص نزاعهم بالأوّل ويمكن استفادته ممّا عرفته من كلام الأمين الأسترآبادي الّذي هو رأسهم ورئيسهم لأنّه إنّما ادعى التّعمية في الأكثر مع منعه من العمل بالجميع وهو لا يتم إلاّ بدعوى عروض الاشتباه في الجميع فتدبّر ثمّ إنّ المخالف في المقام هو الأكثر وهم المجتهدون لذهابهم إلى اعتبار ظواهر الكتاب كنصوصه ولهم وجوه أحدها أنّ العمل بظواهره ممّا يعمّ به البلوى وتمس به الحاجة لا بخبال طبائع من آمن برسول الله صلىاللهعليهوآله على العمل بها سيّما مع كون جميع كتب السّماويّة كذلك لجريان عادة سائر الأمم السّابقة أيضا على العمل بما تضمّنت تلك الكتب من الأحكام فلو كان العمل بظواهره منهيّا عنه لنهى عنه الأئمة عليهمالسلام بل النّبي صلىاللهعليهوآله بحيث بلغ إلينا متواترا بل كان معروفا عند العوام فضلا عن الخواص ولم يبق على ورطة الإجمال والاشتباه سيّما مع عدم ذهاب أحد من العلماء إليه سوى الطّائفة الأخباريّة فتأمل الثّاني أنّ ظواهره ونصوصه لو لم تكن حجّة توقّف فهم إعجاز القرآن على تفسير النّبي صلىاللهعليهوآله لمعانيها لوضوح أن عمدة جهات إعجازه أنّما هي جهة فصاحة آياته وبلاغتها ولا ريب أن بلاغة الكلام تتوقف على فهم المراد منه لكون بلاغته باعتبار تأدية المعنى المراد بحسب مقتضى المقام ومحض فصاحة الألفاظ غير كاف في إعجاز القرآن فلو لم تكن ظواهره فضلا عن نصوصه معتبرة على حسب ما يفهمه أهل اللسان توقف كونه إعجازا على بيان النّبي صلىاللهعليهوآله وتفسيره للمعاني المرادة منها ولو كان كذلك لشاع ذلك وداع في الأمصار والأصقاع وليس فليس إذ لا ريب أنّ العرب كانت معترفة بالعجز عن الإتيان بمثل سورة من سورة بمجرّد السّماع عن النّبي صلىاللهعليهوآله من دون توقف وانتظار منهم لبيانه مع أنّ ذلك مستلزم للدّور إذ لو كان إعجاز القرآن موقوفا على بيانه فلا ريب أنّ اعتبار بيانه وتفسيره موقوف على ثبوت نبوّته فيلزم توقف نبوّته على كون القرآن معجزا وكونه معجزا على ثبوت نبوّته وهو دور صريح هكذا قبل وفيه تأمّل الثّالث أنّ الكتاب لو لم يعتبر انفتح باب الطّعن من اليهود والنّصارى على النّبي صلىاللهعليهوآله والمسلمين ولم ينقل ذلك منهم وقد نقل جميع ما قالوه فيه في ذلك الزمان الرّابع الآيات الدّالة على ذلك مثل قوله تعالى (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) وقوله سبحانه (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) وقوله عزوجل (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) وقوله عزّ وعلا (هُدىً وَرَحْمَةً) وقوله عزّ من قائل (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) وقوله تعالى (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) إلى غير ذلك من الآيات الواضحة المنار ويؤيّدها أنّ المنافقين كانوا إذا فعلوا منكرا يقع في قلوبهم الرعب من أن تنزّل فيهم آية تفضحهم ولو كانوا لم يفهموا من الآيات معانيها لم يكن لرعبهم واضطرابهم وجه ووجه الدّلالة كون هذه الآيات بعد ملاحظة سياقها وضمّ بعضها إلى بعض مفيدة للقطع بحجيّة القرآن فلا يرد أنّ التمسّك بها يستلزم الدّور الخامس الأخبار المستفيضة بل البالغة فوق حدّ التّواتر الّتي ذكرها المصنف رحمهالله على وجه المعارضة ونذكر ما يتعلق بها هناك السّادس استقرار طريقة أصحاب الأئمة عليهمالسلام على التمسّك بالآيات في مقام المنازعة والمشاجرة وكانوا إذا استدلّ أحدهم بآية سكت خصمه ولم يورد عليه بعدم حجيتها مع اطّلاع أئمّتهم عليهمالسلام على ذلك وعدم منعهم منه فهو تقرير منهم لهم على ذلك وكذا عمل العلماء مستقرّ على ذلك في الأمصار والأعصار إلى زمان الأمين الأسترآبادي فهو إجماع منهم على ذلك فإن قلت إنّ التّمسك بعمل أصحاب الأئمّة عليهمالسلام أو العلماء غير مجد في المقام لإجمال وجه عملهم لاحتمال كون عمل بعضهم بالآيات من باب الظنّ مطلقا وبعض آخر من باب الظنّ الخاصّ فبالإجماع المذكور أو تقرير الإمام عليهالسلام لا يمكن الاستكشاف عما هو المقصود من إثبات اعتبار الآيات من باب الظنّ الخاصّ قلت أولا إنّ ذلك وإن لم يثبت المدّعى إلا أنّه يكفي في مقام ردّ الأخباريين المدّعين لإجمال الآيات وعدم جواز العمل بها على وجه وثانيا إنّه إن أريد بكون عمل بعضهم من باب الظنّ مطلقا كون الانسداد علّة تامّة لعملهم بها بحيث يدور عملهم مدار الظنّ الشخصي كما هو لازم دعوى الانسداد في أمثال زماننا فهو فاسد جدّا لأنا نعلم قطعا بعدم كون عمل أصحاب الأئمة عليهمالسلام بالآيات والأخبار من قبيل ذلك بل العلماء أيضا كذلك ولذا قد عملوا بها مع قيام الأمارات غير المعتبرة على خلافها وإن أريد