بالظن وعلى تقدير تمامية دلالتها يثبت هنا أصل ثانويّ ومن الأصحاب من أخذ بعمومها ومنهم من حملها على أصول العقائد وعلى الأول تكون حرمة العمل بالقياس على وفق الأصل وعلى الثاني على خلافه ثم إنّ من الآخذين بعمومها من زعم انقلاب الأصل الثّانوي من زمن العلامة زعما منهم انسداد باب العلم في ذلك الزّمان وبعده لاختفاء القرائن الخاصّة في ذلك الزّمان ولذا قد تصدى العلامة لتنويع الأخبار محافظة على القرائن العامّة عن الاندراس وضبطا لها على وجه الإجمال وهذه الطّريقة ربّما تظهر من كلّ من تمسّك بدليل الانسداد كصاحب المعالم وغيره ومنهم من زعم بقاء الأصل الثّانوي على حاله زعما منهم انفتاح باب العلم ولو شرعا حتى في أمثال زماننا ثمّ إنّه بعد ذكر الآيات والأخبار وتقسيم حال الأصحاب بالنّسبة إليها قال إن مورد الآيات هو مجرد الخرص والتخمين فيكون العمل بالظن على طبق الأصل انتهى محصل كلامه المحكي عنه (قوله) على تقدير صدق النّسبة إلخ فيه دلالة على تردّده في صدق هذه النّسبة ولعلّه مع وجود الحكاية لأجل استبعاد استناد مثل المحقّق المذكور إلى هذا الأصل في المقام والذي عثرت عليه في شرح الوافية أنّه بعد نقل القول بوجوب العمل بالظنّ عقلا عن القفال وابن شريح وأبي الحسن البصري والاستدلال عليه بأنّه لو لم يؤخذ به لخلا كثير من الوقائع عن الأحكام أجاب عنه بأنّه لا تعطيل بعد قيام الأدلّة على أصل الإباحة والخطر وذلك لأنا متى لم نجد للواقعة حكما عملنا فيها بما يقتضيه العقل من الإباحة والخطر انتهى وهو كما ترى لا دخل له في الاستدلال بالأصل وحاصل ما أورده أولا أنّ معنى الإباحة هي الرّخصة في الفعل وتركه لا إلى بدل ولا معنى لها في التعبّد بالظنّ لأنّه لا معنى لإباحة التعبّد بالظنّ بالوجوب أو الحرمة مثلا مع أنّ مقصود القائل به هو إيجاب العمل به لا الرّخصة فيه وغاية ما يتصوّر هنا من الرّخصة في ترك التّعبد بالظنّ هو التّخيير بينه وبين الأخذ بالأصل أو الدّليل الموجود في المسألة على خلافه ومرجعه كما أفاده إلى إيجاب العمل بالظنّ تخييرا لا تعيينا وهو ليس معنى الإباحة كما عرفت وإنّما قيّد كون الأصل أو الدّليل في قبال الظنّ الظّاهر في اعتبار كونه مخالفا لهما لكون التخيير بين الظنّ والأصل أو الدّليل الموافقين له لغوا لكون العمل بأحدهما محصّلا للعمل بالآخر ومن هنا يظهر أنّه لو كان مراد المستدل بجواز ترك العمل بالظنّ ما عرفت من معنى التّخيير كان الدّليل أخصّ من المدّعى ويرد عليه مضافا إلى ما ذكر منع شمول نزاعهم في كون الأصل في الأشياء هو الخطر أو الإباحة للمقام لأنّ عنوانهم للمسألة بما ذكر وتصريحهم باشتراط كونها ممّا اشتمل على منفعة خاليا من أمارة مفسدة ثمّ تمثيلهم له بشم الطيّب وأكل التّفاح ظاهر في اختصاص النّزاع بمثل المآكل والمشارب والملابس ممّا ينتفع به ولا ريب في عدم كون التعبّد بالظنّ في مقام امتثال التّكاليف من قبيل ذلك وهذا الوجه لا دخل له فيما أورده المصنف رحمهالله ثانيا لأنّ ما ذكرناه أنما هو مع قطع النّظر عن استقلال العقل بحرمة العمل بالظنّ فتدبر مع أنّ الحجيّة من أحكام الوضع والإباحة من الأحكام التّكليفيّة فكيف تثبت بالأصل المذكور اللهمّ إلاّ أن يمنع كون أحكام الوضع مجعولة كما سيأتي في محلّه (قوله) كاف في ثبوت التّحريم إلخ لأنّ الموجب أنما يوجب العمل بالظنّ لأجل قيام دليل عليه فمع عدمه والشكّ فيه فاستلزام التّعبد بما لم يعلم التعبّد به من قبل الشّارع للتشريع كاف في إثبات الحرمة(قوله) ومنها أنّ الأمر في المقام دائر بين وجوب تحصيل إلخ حاصله أنّ معرفة الأحكام الشّرعيّة واجبة إمّا نفسا كما يراه جماعة أو من باب المقدّمة والتوصّل إلى امتثال الأحكام الواقعيّة كما هو الحقّ وعلى كلّ تقدير فالتّكليف ثابت والشك أنّما هو في كون المكلّف به تحصيل الاعتقاد الجزمي المانع من النقيض أو مطلق الاعتقاد فيكون المقام من قبيل ما أحرز الوجوب وشكّ في متعلقه تعيينا أو تخييرا فمن قال بالاحتياط والأخذ بالمتيقن في مثل المقام كما سيأتي في مسألة البراءة فلا بدّ له من الالتزام بوجوب الأخذ بالاعتقاد الجزمي وعدم جواز العمل بالظنّ نعم من قال بالتخيير في تلك المسألة يجوز له العمل بالظن هنا لكون المقام من جزئيّات تلك المسألة ويظهر من قوله في ذيل الجواب الثّاني فلا يحتاج إلى تكلف أنّ التكليف إلى آخره تقرير آخر للأصل فتدبّر وكيف كان فقد أجاب عنه المصنف رحمهالله أولا بأن ما ذكر من القولين من الأخذ بالمتيقّن لقاعدة الاشتغال أو الحكم بالتخيير لقاعدة البراءة فيما دار الأمر فيه بين التّعيين والتخيير أنّما هو في الأحكام التعبّدية دون العقليّة لأنّ الأولى هي التي يمكن فيها حصول الشك ودوران الأمر بين الأمرين بخلاف الثّانية لأن الحاكم فيها حيث كان هو العقل فلا يمكن الإجمال في موضوع حكمه حتّى يحصل بسببه التّردد في حكمه كما أشار إليه في مسألة البراءة والاستصحاب لأنّ العقل لا يحكم بشيء إلاّ بعد إحراز جميع قيود موضوعه فإن كان موضوعه جامعا لجميع قيوده يستقبل بحكمه وإن كان فاقدا لبعضها أو كان العقل جاهلا بذلك فهو لا يحكم فيه بشيء أصلا والحاكم بوجوب المعرفة لما كان هو العقل لكون وجوب المقدّمة عقليّا لا شرعيّا لا يتصور الإجمال في موضوع حكمه وإن ما حكم بوجوبه هو مطلق الاعتقاد أو الاعتقاد الجزمي ليكون موردا لقاعدة الاشتغال أو البراءة بل هو حاكم بوجوب تحصيل مطلق الاعتقاد أو خصوص الاعتقاد الجزمي من دون شك وتردّد أصلا وثانيا بما حاصله أنّ الكلام في المقام أنما هو فيما كان الظنّ مخالفا للأصول والقواعد المعتبرة شرعا إذ لا أثر للخلاف في الموافق للأصل لكون العمل بالظنّ حينئذ عملا بالأصل وحينئذ فالتّمسّك في إثبات حرمة العمل بالظنّ المخالف للأصل بقاعدة الاشتغال المبنيّة على حرمة المخالفة الاحتماليّة للتّكليف الثابت يقينا وترك التمسّك بكون العمل بالظنّ مخالفة قطعيّة للأصل الجاري في مورده أشبه شيء بالأكل من القفا وأنت