من الوجوب والحرمة لأنّ الاحتياط وهو الأخذ بالأوثق غير ممكن مع تساوي الاحتمالين وإمّا بالعرض كما فيما دار الأمر فيه بين الوجوب وغير الحرمة في العبادات إذ المشهور اعتبار قصد الوجه فيها ومع احتمال وجوبه لا يمكن الاحتياط لتوقفه على إلغاء قصد الوجه وهو مخالف للاحتياط بخلاف العمل بالظنّ لتيسر قصد الوجه معه فيكون العمل بالظنّ موافقا للاحتياط في الجملة سيّما مع ما يظهر من العلماء من حصر النّاس في صنفين مجتهد ومقلّد والمحتاط خارج منهما قلت إنّ المتعيّن فيما تعذر فيه الاحتياط بالذّات هو تخير المجتهد في عمل نفسه لعدم المناص منه في مقام العمل والتّوقف في القضاء والإفتاء بالنّسبة إلى غيره وإن جاز له إرشاده إلى التخيير في عمله وهذا لا يستلزم الفتوى ولذا يجوز للعامي حينئذ في هذه القضيّة تقليد غيره ممّن هو مفصول بالنّسبة إليه على القول بوجوب تقليد الأعلم وأمّا فيما تعذّر فيه الاحتياط بالعرض لاحتمال وجوب قصد الوجه ففيه أولا أنا نقطع بعدم وجوبه في حصول الامتثال كما قرّر في محلّه ومع الشّكّ في وجوبه يرجع إلى أصالة البراءة فلا يثبت حينئذ وجوب العمل بالظنّ لا يقال إنّ مرجع الشّكّ هنا إلى الشّك في كيفيّة الامتثال لكون قصد الوجه من شرائط امتثال الأمر دون المأمور به ومن المقرّر في محلّه وجوب الاحتياط في مثله لأنّا نقول إنّ المرجع عند الشّكّ في كيفيّة الامتثال أنّما هو الاحتياط فيما كان الشّرط المشكوك فيه من القيود العرفية للامتثال بحيث لا يلزم قبح على الشّارع على تقدير عدم بيانه وإلاّ فلو كان من القيود التعبّدية الّتي لا سبيل للعقل إلى إدراكها فلا فرق بينه وبين شرائط المأمور به في كون المرجع عند الشّكّ فيهما هي البراءة لاتحاد المناط فيهما وثانيا أنّ قصد الوجه كما يمكن مع العلم بالوجه وبالعمل بالأمارات الظنّية كذلك مع العمل بمقتضى الأصول العمليّة فإذا وجب الاحتياط كما هو الفرض في المقام يمكن قصد وجه الفعل المحتاط فيه لذلك فإن قلت كيف تحكم بوجوب الاحتياط مع أنّ هنا أصلا واردا عليه وهو استصحاب وجوب الفحص وتوضيحه أنّه لا خلاف من القائلين بوجوب العمل بالظنّ وحرمته في وجوب الفحص عن الدّليل القطعي مع التمكن من تحصيله ومع الشّكّ في تمكّنه من تحصيله وتردّد الأمر بين جواز العمل بالظنّ وحرمته كما في محل الفرض من الشّكّ في تحقّق الانسداد الأغلبي وعدمه إذ على تقدير الانسداد يجوز العمل به بلا خلاف ومع عدمه يحرم كذلك يمكن استصحاب وجوب الفحص الثّابت حال التّمكن من الفحص فإذا تفحص فإن وصل إلى دليل قطعي فهو وإلاّ يجب عليه العمل بما ظفر به من الدّليل الظنّي إذ الفرض وجوب هذا الفحص المؤدّي إلى دليل ظنّي فإذا وجب هذا الفحص وجب العمل بما يؤدّي إليه أيضا إذ وجوب الفحص أنّما هو من باب المقدّمة للعمل فلا يعقل وجوب المقدّمة من دون وجوب ذيها قلت إنّ من يجب عليه الفحص لا يخلو من أحوال ثلاث الأولى أن يعلم فقدان الدّليل القطعي وعدم إمكان الوصول إليه ولو مع الفحص الثّانية أن يعلم بوجوده بأن يعلم بوصوله إليه لو تفحّص عنه الثّالثة أن يشكّ في ذلك وهي أيضا على أقسام أحدها أن يعلم بعد الفحص بانتفاء الدّليل القطعي قبل الفحص وثانيها أن يعلم بعده أنّه كان هنا دليل قطعيّ ولكن قد فات عنه حين الفحص وثالثها أن لا يظهر له بعد الفحص شيء من الأمرين بأن بقي على شكّه الحاصل حين الفحص ولا مجرى للاستصحاب في شيء من هذه الأقسام أمّا الأول والثّاني فواضح للعلم بعدم وجوبه في الأول وبوجوبه في الثّاني مع أنّ الثّاني خارج من فرض السّؤال وأمّا الثّالث فلحصول العلم بعد الفحص بانتفاء الحالة السّابقة إذ الفرض كون وجوب الفحص لتحصيل الدّليل القطعي فإذا فرض فقدانه في الواقع ينتفي وجوبه أيضا إذ لا معنى لوجوب المقدّمة مع تعذّر ذيها وأمّا الرّابع فلكون الاستصحاب فيه عرضيا لا عبرة به لأنّ الغرض من استصحاب الوجوب هو استصحاب وجوب الفحص الثّابت في حال التّمكن من تحصيل القطع لإثبات وجوب الفحص المؤدّي إلى دليل ظنّي وهو إثبات لحكم موضوع علم ارتفاعه لموضوع آخر نظير استصحاب نجاسة المتولّد من حيوانين أحدهما طاهر والآخر نجس كما إذا نزى غنم على كلب فولدت ثالثا فباستصحاب النّجاسة الحاصلة بملاقاته لأمّه حين الولادة قد حكم بعض الأصحاب بنجاسته الذّاتيّة مع وضوح تغاير موضوع النّجاستين وأمّا الخامس فلوجوب الفحص عليه حتّى يئول أمره إلى أحد الأمرين فيجري عليه حكمه ومع عجزه عن استكشاف أحد الأمرين على وجه القطع لا شك في عدم خلو الواقع عن أحدهما لأنّه إمّا أن لا يكون هنا دليل قطعي في الواقع أو يكون لكن يفوت عن المكلّف حين الفحص وعلى التّقديرين قد عرفت عدم جريان الاستصحاب إمّا لانتفاء الحالة السّابقة وإمّا لكون مرجع الاستصحاب إلى انسحاب حكم موضوع علم انتفاؤه إلى موضوع آخر فإن قلت إنّه يمكن تقرير الاستصحاب بوجه آخر وهو أنّك قد عرفت في بعض الحواشي السّابقة أنّ جريان أصالة حرمة العمل بالظنّ أنّما هو في موارد ثلاثة منها صورة الشّكّ في تحقّق الانسداد الأغلبي وحينئذ نقول إنّه إذا فرض انسداد باب العلم غالبا في الأحكام الشّرعيّة فلا خلاف حتّى من السّيد وأمثاله في وجوب العمل بالظنّ حينئذ وادعى عليه الحلّي الإجماع فإذا فرض بعده حصول الشّك في ارتفاع الانسداد وبقائه لأجل التّمكّن من تحصيل بعض كتب الأخبار الّتي كان تحصيلها متعذرا قبله فاستصحاب جواز العمل بالظنّ الثّابت في حال تحقّق الانسداد يثبت جواز العمل بالظنّ حينئذ أيضا فلا يتعيّن وجوب العمل بالاحتياط كما هو المدعى فإذا ثبت جوازه في هذه الصّورة ثبت في غيرها بعدم القول بالفصل قلت إنّ وجوب العمل بالظنّ في حال الانسداد أنّما هو من باب حكومة العقل كما سيأتي في محلّه ولا معنى لاستصحاب الأحكام العقليّة كما سيجيء في محلّه نعم لو كان اعتباره من باب الكشف عن جعل الشّارع أو بالإجماع كان لاستصحاب الوجوب وجه مع أنّه يمكن معارضة بقلب الدّليل عليه لأنّه إن فرض انفتاح باب العلم في أغلب الأحكام ثمّ شكّ في بقاء الانفتاح وارتفاعه لبعض