الفعل حينئذ وأما حرمته فهي تابعة للواقع نعم لو قلنا بحرمة التجرّي كان الفعل حراما مطلقا وثانيهما عدم مخالفته لمقتضى دليل آخر كما مثل له المصنف رحمهالله ولا إشكال في حرمة الفعل حينئذ لأجل مخالفة الدّليل وأمّا الثّالث فلا ريب في تحقّق موضوعه فيما لا يعتبر فيه قصد القربة كالمعاملات لاقتحام أكثر النّاس من التجار وغيرهم فيها وإنشائهم للنّقل والانتقال من دون أخذ أحكامها من العارفين بها بل وكذلك فيما يعتبر فيه قصد القربة أيضا كالعبادات إذ العوام كثيرا ما يدخلون فيها ويقصدون بها القربة مع جهلهم بكثير من أحكامها وأجزائها وشرائطها وهو واضح لمن تتبع طريقة الجهّال والمسامحين في الأحكام والأدلّة التي أقامها المصنف رحمهالله لحرمة العمل بالظنّ لا تتأتّى هنا لاختصاصها بالقسم الأوّل نعم إن قلنا بكون تعلم الأحكام واجبا نفسيّا كما ذهب إليه جماعة فلا إشكال حينئذ في حرمة ترك التّعلّم والاشتغال بالعمل على طبق الظّنّ إلاّ أن يقال إنّ غاية ذلك حرمة ترك التّعلّم دون نفس الفعل كما هو المطلوب وإن لم نقل بوجوبه النّفسي ولكن قلنا بحرمة التّجرّي فلا إشكال حينئذ في حرمة نفس الفعل إلاّ أنّ القولين كليهما ضعيفان والتحقيق كما أفاده المصنف رحمهالله كون حرمة الفعل تابعة لمخالفة الواقع فإذا عمل بالظنّ على الوجه المذكور فلا يحكم بحرمة الفعل ما لم ينكشف الواقع وإن انكشف وظهرت مطابقته به فلا حرمة فيه بل ربّما يستحق الثّواب أيضا كما في العبادات بل المعاملات أيضا إذا قصد بها الامتثال والإطاعة وإلاّ فيحكم بحرمته واقعا والكاشف إمّا هو العلم بسؤال الإمام عليهالسلام مثلا بعد العمل بالظّنّ وإمّا هي الأمارات والأصول التي قام القاطع على اعتبارها وإن كان ذلك هو التقليد لأهله وإن اختلف الواقع والطّريق بأن وجد العمل مطابقا للواقع ومخالفا للطّريق أو بالعكس ففيه وجهان مبنيان على أنّ الطّرق الشّرعيّة مجعولة في حقّ العالم والجاهل مع التّقصير أو في حق العالم خاصّة بأن كان العلم بوجود الطّريق مأخوذا في جواز العمل به فعلى الأوّل يكون المدار على مطابقة الطّريق ومخالفته وعلى الثّاني على مطابقة الواقع ومخالفته وظاهر المشهور هو الأوّل حيث حكموا ببطلان عمل الجاهل غير العامل بالطّرق الشّرعيّة مطلقا ولعله لإطلاق الأدلّة الدّالّة على اعتبارها والأقرب هو الثّاني لكون اعتبار الطّرق من باب الكشف عن الواقع فمع انكشاف مطابقة العمل بالواقع لا يعتد بمخالفة للطّرق هذا على ظاهر المشهور من كون الأحكام الظّاهريّة مجعولة وإلاّ فعلى احتمال كون اعتبار الطّرق الظّاهريّة من باب إمضاء الشّارع لما هو المقرّر عنه العقلاء فالأمر أوضح وثمرة جعل الطّرق مع فرض كون المدار على مطابقة الواقع ومخالفته تظهر في كون العمل بها عذرا للمكلّف عند مخالفة عمله للواقع لا في اتصاف الأفعال بأحد الأحكام الخمسة مع مطابقتها بمؤدياتها لها ومخالفتها لها وبالجملة أنّ هنا أقساما قد ظهرت أحكامها بما ذكرناه أحدها مطابقة العمل بالواقع والطّريق وثانيها مخالفته لهما وثالثها مخالفته لأحدهما خاصّة ثمّ الظّاهر من العمل بالظّنّ هو ما كان على وجه الاستناد والتّعبّد والتّدين لا على أحد الوجهين الآخرين من وجوه العمل به كما هو ظاهر المصنف رحمهالله أيضا وقد عرفت حرمة العمل به بهذا الوجه مطلقا سواء طابق الواقع أم خالفه وحينئذ يصحّ إطلاق القول بحرمة العمل بالظّنّ من دون تقييد وبما ذكرناه يظهر أنّه لو كان العمل بالظّنّ على وجه الاستناد والتّعبد مصادفا لمخالفة الواقع تجتمع فيه جهتان للحرمة كما في سائر الموارد التي اجتمع فيها عنوانان من عناوين الحرام كأكل النّجس المغصوب والإفطار بالمحرم في شهر رمضان وأشار المصنف رحمهالله أيضا في بعض كلماته ثمّ إنّه قد ظهر ممّا قدّمناه كون حرمة العمل بالظّنّ تشريعيّة لا ذاتية وربّما يظهر من المحكي عن الوحيد البهبهاني وصاحب الرّياض كون حرمته من حيث كونه عملا بالظّنّ استنادا إلى الآيات والأخبار النّاهية عن العمل به وسيأتي في كلام المصنف رحمهالله ما يفسده (تنبيه) أنّك بعد ما عرفت من كون حرمة العمل بالظنّ بأحد الوجهين من الحرمة التّشريعيّة ومخالفة الواقع فاعلم أنّ اللاّزم على المكلّف في مقام العمل عند الشّكّ في حجيّة الظنّ وعدمها لأجل الشّكّ في تحقق الانسداد الأغلبي وعدمه هو الأخذ بطريق الاحتياط العدم المناص عنه بعد ثبوت التّكاليف الواقعيّة إمّا لعموم الخطابات الشّفاهيّة وإمّا للإجماع على المشاركة في التّكليف مع المشافهين وبالجملة يجب الاحتياط وإن كان الظّنّ في المسألة موجودا وطريقه الإتيان بالفعل فيما دار الأمر فيه بين الوجوب وغير الحرمة كقراءة دعاء رؤية الهلال المردّدة بين الوجوب والاستحباب وتركه فيما دار الأمر فيه بين الحرمة وغير الوجوب كشرب التّتن والعمل بالطّرف المظنون فيما دار الأمر فيه بين المحذورين من الوجوب والحرمة إن كان أحدهما مظنونا كما هو الفرض من وجود الظنّ في المقام وتعيّن العمل بالطّرف المظنون حينئذ ليس لأجل وجوب العمل بالظنّ من حيث هو لفرض عدم ثبوته بل لكون العمل به طريق احتياط في المقام لدوران الأمر بين التخيير في العمل بأحد طرفي الشّكّ وتعيّن العمل بالظنّ لاحتمال وجوبه تعيينا فيتعيّن العمل به في مقام الخروج من عهدة التّكليف فيؤخذ به في مقام الاحتياط هذا كلّه فيما يتعلّق بعمل الظّانّ نفسه من العبادات والمعاملات وأمّا ما يتعلّق بعمل غيره فاللاّزم عليه حينئذ هو الكفّ والسّكوت وعدم التّصدي بشيء من القضاء والإفتاء وإرشاد الغير إلى العمل بالاحتياط في عمله فإن قلت كيف توجب الاحتياط هنا والحال أنّ الأحكام غير المعلومة من قبيل الشبهة غير المحصورة التي لا يجب فيها الاحتياط كما قرّر في محلّه قلت نمنع كونها من قبيلها بل هي من قبيل الشّبهة المحصورة أو اشتباه الكثير في الكثير الملحق بالمحصورة موضوعا أو حكما كما سيأتي في محلّه مع أنّ المقصود في المقام نفي وجوب العمل بالظّنّ في قبال من ادعاه فلا يلزم من العمل بأصالة البراءة وجوب العمل به فتأمّل فإن قلت إنّه لا وجه لما قررت من وجوب العمل بالاحتياط لامتناعه كثيرا إما بالذّات كما في صورة دوران الأمر بين المحذورين