بقرينة المقابلة نسبة ما لم يرد فيه إذن في الواقع كما هو مقتضى وضع
الألفاظ للمعاني الواقعيّة فتصير الآية أخصّ من المدّعى إذ المقصود حرمة نسبة
المظنون إلى الشّارع والتدين به سواء طابق الواقع أم لا ووجه الاندفاع واضح ويمكن
تقريب الاستدلال بوجه آخر بأن يقال نفس التّدين بالظنّ وجعله من الطرق الشّرعيّة
ممّا لم يصل فيه إذن من الشّارع فيكون إسناد الحكم إليه اعتمادا على الظنّ افتراء
محرما والفرق بين التّقريرين أنّ الحرمة على الأوّل تنشأ من عدم وصول الإذن في
الحكم المظنون المتعبّد به المنسوب إليه سبحانه وعلى الثّاني من عدم وصول الإذن في
نفس التعبّد بالظنّ والاستناد إليه في نسبة المظنون إلى الشّارع ولعل الأقرب إلى
عبارة المصنف رحمهالله هو الثّاني إذ الظّاهر أنّ مراده بكون إسناد الحكم
المظنون إلى الشّارع افتراء كونه كذلك لأجل عدم وصول إذن في الاعتماد فيه على
الظّن لا لأجل عدم وصول إذن في المسند إليه سبحانه ولكن المنساق من الآية هو
الأوّل ومن الآيات أيضا قوله جلّ وعلا ردّا على اليهود قل لا أجد فيما أوحي إليّ
محرّما على طاعم يطعمه إلاّ أن تكون ميتة أو دما مسفوحا لأنّه قد دلّ على عدم جواز
القول بما لم يوح والمظنون لم يعلم كونه ممّا أوحي إلى النّبي صلىاللهعليهوآله فيكون ممنوعا من القول به وقد ذكر بعض مشايخنا أنّ
بعضهم قد جمع في رسالة مفردة مائتي آية وخمسمائة حديث في حرمة العمل بالظنّ (قوله) قوله عليهالسلام في عداد
القضاة إلخ في القاموس عداده في بني فلان أن يعدّ منهم في الدّيوان فتدبّر والرّواية
رواها محمّد بن خالد مرفوعا إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال القضاة أربعة ثلاثة في النّار وواحد في الجنّة رجل
قضى بجور وهو يعلم فهو في النّار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم أنّه قضى بجور فهو في
النّار ورجل قضى بحقّ وهو لا يعلم فهو في النّار ورجل قضى بحقّ وهو يعلم فهو في
الجنّة وقال عليهالسلام الحكم حكمان حكم الله عزوجل وحكم الجاهليّة فمن أخطأ حكم الله حكم حكم الجاهليّة
وفي النّبوي القضاة ثلاثة واحد في الجنّة واثنان في النّار فالّذي في الجنّة رجل
عرف الحقّ وقضى به واللّذان في النّار رجل عرف الحقّ فجار في الحكم ورجل قضى
للنّاس على جهل لظهورها في عدم كفاية مطابقة العمل للواقع في الفرار من النّار بل
لا بدّ فيه من العلم وتتمّ الدّلالة بعدم القول بالفصل بين القضاء والفتوى وقوله عليهالسلام ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم وكذا قوله ورجل قضى للنّاس
على جهل وإن شملا الجاهل القاصر أيضا إلا أنّه لا بدّ من تخصيصهما كسائر الآيات
والأخبار المستدل بها على المقام بالجاهل المقصّر وقال عليهالسلام فيما رواه في الكافي إنّ أدنى الشّرك أن تقول للنواة
حصاة وللحصاة نواة فتدين به ووجه الدّلالة أنّ الحكم بكون النّواة حصاة وبالعكس
كناية عن أدنى القول بما يخالف الواقع وقد جعل التّديّن به بمثابة الشّرك ولا ريب
أنّ المظنون لم يعلم كونه من الحقّ الثّابت المتلقى من الشّارع فتكون نسبته إليه
والتّدين به مع المخالفة للواقع حراما وكذا مع الموافقة له لعدم الفصل (قوله) والحاصل أن المحرّم إلخ اعلم أنّ العمل بالظن على ما يظهر من كلامه على وجوه
أحدها أن يعمل به على وجه التعبّد والتّديّن به وثانيها أن يعمل به لرجاء مطابقته
بالواقع وثالثها أن يعمل به بمعنى جعل الأفعال على طبقه من دون تديّن به ولا
بعنوان احتمال المطابقة للواقع بل من باب عدم المبالاة بالأحكام والاقتراح والتشهي
فيها وهذه الأقسام مختلفة في الحكم أمّا الأوّل فهو حرام مطلقا وهو مورد للأدلّة
الأربعة التي أقامها لحرمة العمل بالظنّ لعدم شمولها للقسمين الآخرين كما هو ظاهر
كلامه أيضا ووجهه واضح إذ غايتها إثبات حرمة التّشريع وهو غير متحقّق في الآخرين لاختصاصه
بصورة التّديّن فإن قلت كيف تدعي اختصاص مؤداها بإثبات حرمة التّشريع وهو على ما
ذكروه عبارة عن إدخال ما ليس من الدّين فيه بقصد أنّه منه ولا ريب أنّ القصد إلى
إدخال ما ليس منه فيه لا يتحقق إلاّ بعد العلم بعدم كونه منه والفرض عدم العلم
بعدم كون المظنون منه كيف لا وهو لا يجتمع مع الظّنّ بكونه منه ولا أقل من اعتبار
عدم مطابقة المظنون بالواقع في صدق عنوان التّشريع وإلاّ فلا يصدق قولهم ما ليس من
الدّين لكون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة دون المعلومة أو المظنونة ولا ريب
أنّ الظانّ كما تحتمل مخالفة عمله للواقع كذلك تحتمل مطابقة به ومع الشّكّ يحكم
بجوازه لأصالة البراءة فيكون مقتضى الأصل جواز العمل بالظّنّ قلت أمّا دعوى اشتراط
العلم في تحقق موضوع التّشريع فهي ممنوعة كيف والعلم بعدم كون المدخل من الدّين لا
يجتمع مع الحكم والإذعان بكونه منه كما حكي عن جمال المحقّقين إذ الشّرع ليس إلاّ
أحكاما مخصوصة فمن يعلم أنّ الحكم الفلان ليس ممّا جاء به النّبي صلىاللهعليهوآله فكيف يحكم بأنّه من جملة ما جاء به وأمّا دعوى اشتراط
مطابقة العمل بالواقع فهي كسابقتها أيضا في المنع لأنّ المستفاد من قوله سبحانه (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى
اللهِ تَفْتَرُونَ) أنّ المناط في تحقق التّشريع الذي سمّاه الله تعالى
افتراء مجرّد إدخال ما لم يظهر كونه من الدّين فيه بعنوان كونه منه بحيث يزعم عدم
وصول الإذن منه تعالى سواء طابق العمل بالواقع أم خالفه ويظهر تقريب الدّلالة فيه
ممّا قدّمناه في بعض الحواشي السّابقة بل الظّاهر المستفاد من لفظ التّشريع عرفا
أيضا هو مجرّد الجاهل بحقيقة الأمر كونه منه ويمكن إرجاع الحدّ أيضا إلى هذا
المعنى ولو بأدنى تصرّف وتوجيه لأنّ الدين عبارة عن أحكام مخصوصة جاء بها النّبي صلىاللهعليهوآله وهذه الأحكام أنّما تعدّ دينا للمكلّف بعد ثبوتها بطرق
معتبرة لوضوح عدم كفاية وجودها الواقعي في ذلك وأمّا الثّاني فلا إشكال في جوازه
بل ولا في حسنه ولكن بشرطين أحدهما عدم معارضته بالاحتياط من جهة أخرى كصلاة
الحائض في أيّام الاستطهار بناء على حرمة صلاتها ذاتا لا تشريعا لأنّ الإتيان بها
في أيّام الاستطهار برجاء وجوبها في الواقع مناف لاحتمال حرمتها الذّاتيّة فلا
إشكال في عدم حسن