الظنون الخاصّة لأجل التعليل في قوله عليهالسلام خذ بما اشتهر بين أصحابك واترك الشّاذ النادر فإن المجمع عليه لا ريب فيه لكنّه ضعيف جدّا كما قررناه في محلّه وأمّا مثل الغلبة والاستقراء والعادة فلم يظهر قول باعتبارها من باب الظنون الخاصّة من أحد وعلى تقديره تظهر الحال فيها أيضا ممّا قدمناه في المقام الأوّل المقام الرّابع في تعارض القطعيات والكلام فيها تارة في الكتاب والسّنة النبويّة وأخرى في الأخبار الإماميّة أمّا الأوّل فاعلم أنّه مع تعارض خبرين نبويين قطعيين لا تأتي فيهما المرجحات السندية بعد فرض قطعيتهما ولا مرجحات وجه الصّدور لانتفاء التقية في زمان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا المرجحات المضمونية لعدم الدّليل على اعتبارها في القطعيّات لاختصاص أدلتها بالأخبار الظنية لأنّ عمدة أدلتها أخبار الترجيح المختصّة بها مضافا إلى الإجماع عليه ظاهرا ولذا لم يلاحظها أحد في تعارض الآيتين أيضا فينحصر الترجيح في الكتاب والسّنة في الدّلالة فإن أمكن الترجيح بها وإلا تعيّن التخيير بين المتعارضين منهما من باب العقل دون الشّرع لاختصاص أخباره بالأخبار الظنية ثمّ إنّ هذا إنّما هو فيما قطع النظر عن كون الآيتين أو الخبرين النبويين معلومي الصّدور وإلاّ يحكم بكون المتأخّر منهما ناسخا للمتقدم إن كان واردا بعد حضور وقت العمل به وإلاّ فلا يحكم بالنسخ مطلقا حتّى مع الشكّ في تحقق هذا الشّرط لقلة وجود النسخ والظنّ يلحق المشكوك بالأعمّ الأغلب وأمّا الثاني فاعلم أنّه لا سبيل إلى احتمال النّسخ هنا لانتفائه في أخبار الأئمة عليهمالسلام لكن ليعلم أنّ التعارض بين الخبرين كما تقدّم سابقا إمّا بالعموم والخصوص مطلقا أو من وجه أو بالتباين مطلقا وإن كان تباينهما لأجل نصوصيّتهما في الشّمول لمحلّ التعارض فيما كانت النسبة بينهما عموما مطلقا بأن كان العام في الشّمول لمحلّ التعارض غير قاصر عن الخاص فعلى الأوّل يحمل العام على الخاص وكذا على الثّاني إن كان أحد العامين أظهر من الآخر بأن كان أقل أفرادا منه أو نحو ذلك وإن تساويا في الظهور فإن قلنا بإجمالهما في مادة الاجتماع والرّجوع إلى مقتضى الأصول فهو وإلاّ فهما في حكم المتباينين وحكمهما أنّه مع موافقة أحدهما للعامة يحمل على التقية ويعمل بالمخالف وإلاّ يحكم بالتخيير بينهما عقلا لا شرعا لما عرفت من اختصاص أخباره بالظنيّات ولا يجوز الرّجوع إلى الأصول حينئذ لعدم جريانها مع وجود الأدلة لا موافقا ولا مخالفا ولا إلى المرجحات السّندية لفرض قطعيتهما ولا إلى المرجحات المضمونيّة لما عرفت من عدم تأتيها في القطعيّات فينحصر الأمر في المقام في ملاحظة وجه الصّدور ثم التخيير عقلا لا شرعا المقام الخامس في تعارض الأدلّة العقلية فاعلم أنّ حكم العقل إمّا تنجيزي أو تعليقي وعلى الأوّل إمّا أن يكون قطعيّا أو ظنيا وعلى هذين إمّا أن تكون الاستفادة والمستفاد أصليين كحسن الإحسان وقبح العدوان لأن كلا من حكم العقل والمحكوم به أعني استحباب الإحسان وحرمة العدوان أصليّ وإمّا أن يكونا تبعيين كوجوب المقدمة لأنّ كلا من حكم العقل به ونفس الوجوب بتبعية وجوب ذيها ولأجل التوصل إلى الإتيان به ومثله الحكم بحرمة فعل بواسطة حرمة ضدّه وإمّا أن تكون الاستفادة تبعيّة والمستفاد أصليّا مثل النظر إلى الأجنبية في المرآة لأنّ الحكم بالحرمة على القول بها إنّما هو بتبعيّة حكم الشّارع بحرمة أصل النظر لكن المحكوم به أعني الحرمة أمر مستقل أصليّ ومثل استفادة أقل الحمل من الآيتين لأنّه مستفاد من بيان تعب الأمّ في الحمل والفصال في قوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ومن بيان أكثر مدّة الفصال في قوله سبحانه (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) لكن كون أقل الحمل ستة أشهر أمر مستقل أصلي ومثل الأولوية الظنيّة لأنّ حكم الفرع مستفاد بواسطة حكم الأصل وإن كان حكم الفرع أصليا وأمّا صورة العكس أعني كون الاستفادة أصلية والمستفاد تبعيا فلم يوجد لها مثال في العقليات نعم له مثال في الشرعيّات كما إذا حكم الشّارع بوجوب مقدّمة من مقدمات الواجب كتحصيل الماء للوضوء مثلا إذا أمر الشّارع به لأنّ استفادة الحكم من خطاب الشّرع أصلية وليست بتبعية شيء آخر لكن الحكم أعني الوجوب تبعيّ لأنّ وجوب المقدّمة لأجل وجوب ذيها فأمّا إذا كان حكم العقل قطعيا سواء كانت الاستفادة والمستفاد أصليين أم تبعيين أم بالاختلاف فلا يجوز معارضته مع سنخه ولا غيره بل كل دليل يخالفه يكون مطروحا فأمّا عدم معارضته مع سنخه فلعدم تعقل حكم العقل منجزا بطرفي النقيض وأمّا مع غيره فإنّه على تقدير جواز التعارض لا بد أن تجري عليه أحكام التعارض من جواز تخصيص أحدهما بالآخر إذا كان خاصا أو الحكم بالإجمال في مادة التعارض في وجه إذا كان بينهما عموم من وجه وملاحظة التّرجيح مع تباينهما وشيء منها لا يجري في الأحكام العقلية القطعية المنجزة لأنّ الحكم العقلي نصّ في مورده سواء كان عاما أو خاصا فلا يسري إليه احتمال التخصيص أو الإجمال أو الترجيح نعم إذا كانت استفادة العقل تبعية ترتفع هذه الاستفادة بارتفاع المستفاد منه كما إذا قام الدّليل على عدم وجوب ذي المقدّمة فيسقط العقل حينئذ عن الحكم بوجوب المقدّمة لكنّه ليس من باب التعارض لارتفاع موضوع حكمه حينئذ وممّا ذكرناه يظهر الكلام فيما كان حكم العقل ظنيّا أيضا لأنه وإن فرض كونه ظنيا إلاّ أن شموله لمورده على وجه النصوصية دون الظهور فلا يتأتى فيه الترجيح أيضا كما هو واضح وأمّا إذا كان حكمه تعليقيّا مثل حكمه بالبراءة عن التكليف عند عدم البيان الشّرعي فلا يجوز معارضته مع غيره من الأدلّة لأنّ حكمه معلّق على عدم البيان بالفرض والدّليل الشرعي بيان له فيرتفع موضوع حكمه حينئذ وهذا ليس من باب الترجيح أيضا المقام السّادس في بيان تعارض الأصول فاعلم أنّه لا يجوز تعارضها مع سنخها على القول باعتبارها من باب التعبد وقد تقدّم الكلام فيه مشبعا في مبحث الاستصحاب وأمّا على القول باعتبارها من باب الظنّ النّوعي فيصح معارضتها حينئذ ولعلّه على هذا يبتنى ملاحظتهم التعارض بينها والترجيح بالمرجحات الداخلة كالكثرة من جانب دون آخر حتّى قد أفرط بعضهم فرجح الأصول الظنيّة بالاعتضاد بالأصول التعبدية وفيه ما لا يخفى وكذا الخارجة مثل موافقة الشّهرة حتّى أفرط بعضهم فرجح بموافقة القياس وقد تقدّم ضعفه أيضا سابقا وأمّا تعارضها مع غيرها من الأدلّة الاجتهادية