عليه الوحيد البهبهاني في فوائده الجديدة بوجوه أحدها أنّ الحكم إذا لم يكن موافقا لمذهب أحد من العامة يكون رشدا وصوابا لما ورد في الأخبار أنّ الرّشد في خلافهم وفيما لم يذهبوا إليه فكيف يكون هذا تقية لأنّ المراد بالرّشد والصّواب ما كان في الواقع رشدا وصوابا لا من جهة التقية ورفع الضّرر وإلاّ فجميع ما ذهب إليه العامة يصير رشدا وصوابا وأيضا إذا كان رشدا فلم حكمت بأنّه تقية مخالف لمذهب الشيعة والثّاني أنّه غير خفي على من له أدنى اطلاع وتأمل أن العامة بأدنى شيء كانوا يتهمون الشيعة بالرّفض وأذيّتهم للشيعة إنّما كانت بالتهمة غالبا وكان الأئمة عليهمالسلام يبالغون في احترازهم عن أسباب التّهمة وهذه كانت طريقتهم المستمرة في الأعصار والأمصار فكيف يكون الحال إذا رأوهم يفعلون فعلا لا يوافق مذهبا من مذاهبهم ولا يقول به أحد منهم بل غير خفي أنّ العامة ما كانوا مطّلعين على مذهب الشيعة في ذلك الزمان من الخارج إلاّ نادرا فكانوا كلّما يرون مخالفا لمذهبهم يعتقدون أنّه مذهب الشيعة ويبادرون بالأذيّة وما كانوا يصبرون إلى أن يروا ما يخالف ذلك منه أو من غيره من الشيعة مع أن روايته من الغير غير نافع فتكثير المذهب بين الشيعة سيّما مع عدم موافقته لمذهب أحد منهم مخالف للحكمة وموجب لزيادة الإيذاء منهم لهم كما هو واضح والثالث أنّ الحقّ عندنا واحد والباقي باطل فما ذا بعد الحقّ إلا الضّلال فأيّ داع إلى مخالفة الواقع وارتكاب الحرام الذي هو أعظم لأجل التقيّة التي هي أخف وأسهل على المعنى الذي اعتبره والرّابع أن التقية اعتبرت لأجل ترجيح الخبر الّذي هو الحقّ على الذي ليس بحقّ ورشد على ما يظهر من الأخبار وما عليه الفقهاء في الأعصار والأمصار وهذا الفاضل المتوهم أيضا اعتبر ما ادعاه من التقية الّتي توهمها لأجل الترجيح وبنى عليه المسألة الفقهيّة فإذا لم يكن موافقا لمذهب أحد من العامة فبأيّ نحو يعرف أنّ هذا الخبر وارد على التقية دون ذلك حتى يعتبر في مقام التّرجيح ويقال إن معارضه حقّ ومذهب للشيعة انتهى وأراد المصنف رحمهالله بتوضيح مراد المحدّث البحراني دفع ما أورده الوحيد البهبهاني بالوجوه المتقدّمة وتوضيح المقام أنّ مراد المحدث المذكور بعدم اشتراطه في التقية موافقة الخبر لمذهب العامة هو بيان منشإ اختلاف أكثر الأخبار المأثورة عن أئمتنا المعصومين عليهمالسلام مع فرض قطعية سندها كما يراه جماعة من الأخباريين إذ ربّما يستبعد ذلك مع هذا الاختلاف الذي لا يكاد يجتمع فأراد دفع هذا الاستبعاد بأن الاختلاف فيها إنّما جاء من جهة التقيّة لا من جهة دسّ الأخبار المكذوبة فيها لتهذيبها وتنقيحها منها في الأزمنة المتأخرة وأنّ التقيّة لا تنحصر فيما كان هنا قول من العامة موافق للخبر لأنّ الخبر كما أنّه قد يصدر عنهم عليهمالسلام خوفا من العامة المتوقف دفع ضررهم على موافقتهم كذلك قد يصدر لأجل إلقاء الخلاف بين الشيعة وتكثير مذهبهم وإن لم يكن موافقا لمذهب أحد من العامة لئلا يعرفوا فيؤخذ رقابهم وبالجملة أنّ الأئمّة عليهمالسلام كما كانوا يتقون عن هؤلاء الكلاب أحيانا بإظهار الموافقة كذلك كانوا يتقون عنهم أحيانا بإلقاء الخلاف بين شيعتهم وإن لم يوجد لهم موافق منهم وبهذا اعترض على المشهور في اعتبارهم وجود قول من العامة في الحمل على التقية ومقصوده بعدم اشتراط قول منهم في الحمل عليها ليس في مقام التّرجيح لعدم تعقل حمل أحد الخبرين بالخصوص على التقية مع فرض مخالفتهما للعامة وعدم ما يدلّ على ورود أحدهما بالخصوص لبيان خلاف الواقع بل مقصوده أن الأئمة عليهمالسلام ربّما كانوا يجيبون في المسائل بما هو خلاف الواقع وإن لم يكن على وفق مذهب أحد من العامة لما يراه من المصلحة في ذلك وأن هذا هو منشأ اختلاف الأخبار لا دسّ الأخبار المكذوبة فيها لتنزّهها عنها في الأزمنة المتأخرة لا أنّه في مقام الترجيح يحمل أحد المتعارضين على التقيّة مع مخالفتهما لمذاهبهم ومن هنا يندفع الإيرادات المتقدّمة لابتنائها على كون مراد المحدث المذكور من عدم اشتراط الموافقة في الحمل على التقية هو الحمل في مقام الترجيح وقد عرفت أنّه ليس كذلك وأمّا توضيح اندفاعها فأمّا الأوّل فإنّه إنّما يرد لو كان مقصود المحدث المذكور من الحمل على التقيّة هو الحمل عليها في مقام طرحه لأنّه حينئذ يرد عليه أنّه لا وجه لطرحه مع مخالفته لمذهب العامة لكون الحكم المخالف لهم رشدا وحقا في الواقع كما هو مقتضى الأخبار وليس كذلك لما عرفت من كون مقصوده بيان منشإ اختلاف الأخبار مع فرض تنقيحها وتهذيبها عن الأخبار المكذوبة المدسوسة بأنّه كان قد تصدر الأخبار عن الأئمة عليهمالسلام لبيان خلاف الواقع لما يراه من المصلحة وإن كانت مخالفة لمذهب جميع العامة ثم بعد ارتفاع المصلحة كانوا يبينون نفس الحكم الواقعي ومن هذا جاء الاختلاف بينها كما عرفت وهذا لا يستلزم الحمل على التقية بالمعنى المذكور في مقام الترجيح أيضا بأن يحمل أحد الخبرين المتعارضين المخالفين للعامة على التقية حتّى يرد عليه الإشكال بل الظاهر أن المحدث المذكور في مقام الترجيح مع مخالفة الخبرين للعامة يستعمل سائر المرجحات والأخبار الدالة على كون مخالف العامة رشدا وصوابا مع فرض ورودها في مقام تعارض الأخبار وترجيحها لا تنفي صدور الخبر عن الإمام عليهالسلام لبيان خلاف الواقع لمصلحة يراها مع مخالفته للعامة وأمّا الثّاني فإن اتهام العامة للشيعة وإيذائهم لهم بسبب ذلك لا ينفي وجود مصلحة أحيانا تقتضي بيان خلاف الواقع مع مخالفته للعامة وأمّا الثالث فإن الدّاعي هو وجود المصلحة بالفرض كما تقدّم وأمّا الرّابع فوجه ضعفه يظهر من وجه ضعف الأوّل فالتحقيق أنّه لا وجه لإنكار إمكان وجود مصلحة تقتضي بيان خلاف الواقع مع عدم الموافقة لمذهب أحد من العامة على نحو ما ذكره المحدّث المذكور إلاّ أنّ الكلام في تحقق مثل هذه المصلحة سيّما في تصحيح جل الأخبار المتعارضة وما استشهده لذلك من الأخبار المتقدّمة خالية من الدّلالة عليه إذ اختلاف أجوبة الإمام عليهالسلام في مجلس واحد كما تضمنته رواية زرارة لا يقضي بذلك لانتشار مذاهب العامة في ذلك الزّمان ولعلّ أجوبة الإمام عليهالسلام مع اختلافها كانت موافقة لمذاهبهم المختلفة المنتشرة واحتمال ذلك كاف في عدم ثبوت ما رامه المحدّث المذكور من تلك الأخبار وبالجملة أنّ القدر الثابت من وجود المصلحة المقتضية لبيان خلاف الواقع ليس إلاّ مصلحة التقية المقتضية لصدور الخبر عن الإمام عليهالسلام على وفق مذهبهم دفعا للخوف