به إلى أن التفكيك إنما لا يصار إليه مع عدم الدّليل والدليل هنا قائم عليه وهو ما أشار إليه من وجوه الإشكال (قوله) الأول ما رواه المشايخ الثلاثة إلخ قد وصفها في البحار بالصّحة وفي الوافية بالموثقية وليس في السّند من يوجب القدح فيه إلاّ رجلان أحدهما داود بن حصين وقد وثقه النجاشي قال كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله عليهالسلام وأبي الحسن عليهالسلام ونقل الوحيد البهبهاني في فوائده المتعلقة بعلم الرّجال عن المحقّق الشّيخ محمّد بن الشيخ حسن صاحب المعالم أنه قال إنّه إذا قال النجاشي ثقة ولم يتعرض لفساد المذهب فظاهره أنّه عدل إمامي لأن ديدنه التعرض للفساد فعدمه ظاهر في عدم ظفره وهو ظاهر في عدمه لبعد وجوده مع عدم ظفره لشدة بذل جهده وزيادة معرفته وعليه جماعة من المحققين انتهى وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم عليهالسلام إنّه واقفي فمن وصف الرّواية بالصّحة نظر إلى توثيق النجاشي بناء على كون توثيقه تعديلا ولا يعارضه قول الشيخ بكونه واقفيا لكونه أثبت وأضبط كما قيل ومن وصفها بالتوثيق نظر إلى الجمع بين الوقف والثّقة أو إلى عدم ثبوت كون مراد النجاشي من التوثيق هو التعديل أو إلى تقدّم الجرح على التعديل وثانيهما عمر بن حنظلة ولم يذكره أصحاب الرّجال بمدح ولا ذم إلاّ الشّهيد الثّاني في شرح بداية الدّراية حيث قال إنّ عمر بن حنظلة لم ينص الأصحاب عليه بجرح ولا تعديل ولكن حقّقت توثيقه من محلّ آخر انتهى وقال ولده المحقّق الشيخ حسن فيه ما هو غير خفي على من راجع كتب الرّجال وكيف كان فلا تأمّل في قبول الرّواية لقبول الأصحاب لها وهو كاف في الباب إن شاء الله تعالى مضافا إلى رواية المشايخ الثّلاثة لها في كتبهم (قوله) وهذه الرّواية الشريفة وإن تخل عن الإشكال إلخ لا يخفى أنّ ما ذكره المصنف رحمهالله يرجع إلى وجوه ثلاثة أحدها أنّ مورد الرّواية هو التحكيم لأجل فصل الخصومة فلا يناسبها أولا تعدد الحكمين وثانيا غفلة كلّ عن المعارض الواضح المستند حكمه وثالثا اجتهاد المتحاكمين في ترجيح مستند أحدهما على الآخر ورابعا جواز حكم أحدهما بعد حكم الآخر لبعد فرض وقوع حكمهما دفعة ويرد على ما عدا الثّاني أنّه إنّما يتم على تقدير كون المراد بالحاكم في مورد الرّواية هو المنصوب عموما أو خصوصا من قبل الإمام عليهالسلام وأمّا لو كان المراد به قاضي التحكيم فلا دليل على بطلان ما ذكر من اللّوازم ومنه يندفع إشكال آخر هنا وهو أنّ اختيار الحاكم إنّما هو بيد المدعي فله أن يختار من أراد من الحكّام وإن كان مفضولا بالنسبة إلى من اختاره المنكر فالأولى حينئذ الجواب بتفويض الأمر إلى المدّعي لا إليهما وتحريهما في إعمال المرجّحات ووجه الاندفاع واضح مضافا إلى احتمال اختصاص مورد الرّواية بصورة التداعي فتدبر وأمّا الثاني فهو مجرّد استبعاد لا يقدح في العمل بالظواهر مع أنّه لا استبعاد فيه حيث لم تكن الأخبار مجتمعة في زمان صدور الأخبار عند كلّ أحد مضافا إلى احتمال إعراض كلّ منهما عن مستند حكم الآخر لأجل اطلاع كل منهما على قدح في مستند حكم الآخر لم يطّلع عليه الآخر مثل وروده تقية أو نحوها لا لأجل الغفلة عنه رأسا ويدفع الجميع أيضا أنّه يحتمل أن يكون المراد بالحكمين هو الحاكم على سبيل نقل الرّواية في خصوص الواقعة ليعمل بمضمونها المتخاصمان لا الحاكم بالمعنى المصطلح عليه ويؤيّده أنّ المتعارف في ذلك الزّمان أن كل من كان يفتي بشيء كان على سبيل نقل الرّواية وكان غرض المستفتي أيضا استعلام ما عند المسئول من الحديث في الواقعة المجهولة المسئول عنها ويؤيّده أيضا قوله عليهالسلام كلاهما اختلفا في حديثكم لأنّ ظاهره كون الرّجوع إليهما من حيث نقل الرّواية والحديث وجعل الفاصل ذلك لا رأي الحكمين ويؤيّده أيضا كون الشبهة في مورد الرّواية حكميّة لا موضوعيّة ويحتمل أن يكون التحرّي والاجتهاد في مستند الحكمين قبل تحقّق الحكم الاصطلاحي منهما بأن كان المراد الرّجوع إلى المرجّحات عند اختلافهما في مستند الحكم عند مذاكرة الحكم الكلّي قبل صدور الحكم الاصطلاحي منهما كما يستحب للحاكم الشّرعي إحضار جماعة عند المرافعة ليأمن به من الخطإ في الحكم فتأمل وثانيها اشتمال الرّواية على تقديم الترجيح بصفات الرّاوي على الترجيح بالشّهرة وهو مخالف للسّيرة المستمرة قديما وحديثا فيما بينهم والجواب عنه ما أشار إليه بقوله إلا أن يمنع ذلك وتوضيحه أنّ السّيرة المذكورة إنّما تسلم إذا كان المراد بالشّهرة هي الشّهرة بحسب الفتوى دون الرّواية لخروج الخبر غير المشهور حينئذ من الحجيّة كما لا يخفى بخلاف ما لو كان المراد بها الشّهرة بحسب الرّواية إذ نمنع حينئذ تحقق الإجماع على تقديم المشهور على ما اشتمل على صفات الرّاوي من المتعارضين وممّا يدلّ على كون المراد بها في مورد الرّواية هي الشّهرة بحسب الرّواية دون الفتوى أن الفتوى المصطلح عليها لم تكن معروفة بين أصحاب الأئمّة عليهمالسلام لأنّ إفتاء أصحابهم كان على سبيل نقل الخبر بالمعنى وكان عمل المستفتين أيضا بأقوالهم لأجل حصول الوثوق بما ينقلونه عن أئمتهم لا لأجل التعبد بما ترجح في نظرهم من الأدلّة والظّنون الاجتهاديّة مع أنّ الرّاوي فرض كون الخبرين مشهورين بعد تساويهما في صفات الرّاوي ومن المعلوم عدم إمكان تحقق الشّهرة بحسب الفتوى على طرفي المسألة في زمان واحد وفي واقعة واحدة وحينئذ فلا غرو في تقديم الترجيح بالصّفات على الترجيح بالشّهرة والسّر فيه يظهر ممّا أوضحه المصنف رحمهالله من العلّة نعم يبقى في المقام أنّ الرّواية مطلقة تقتضي تقديم الترجيح بالصّفات مطلقا حتّى فيما لو كان بين رواة الخبر المشهور من هو أفقه من المتفرد بالشاذ والعلّة المذكورة حينئذ لا تقتضي ترجيح الخبر الشّاذّ الجامع للصّفات على مثل هذا الخبر مع أنّه قد يكون من عدا المتفرّد بالشاذّ من طبقات رواته مفضولا بالنسبة إلى رواة المشهور وإن كان هو أفقه منهم ولا تتأتى فيه العلّة أيضا اللهمّ إلاّ أن تنزل الرّواية على غير هاتين الصّورتين هذا غاية توضيح المقام وهو بعد لا يخلو من نظر لأنّ عدم تقديم الشاذّ على المشهور في الصّورتين المفروضتين ليس لأجل قصور في الترجيح بالصّفات بل لأجل اشتمال المشهور على مزيّة أخرى سوى الشّهرة ولا ريب أن دلالة الرّواية على تقديم التّرجيح بالصّفات على التّرجيح بالشّهرة إنّما هي مع ملاحظة الشّهرة من حيث هي لا مع اشتمال ذيها على مزيّة موجودة في معارضه أيضا فتنزيل الرّواية على غير الصّورتين المفروضتين حينئذ متعين وثالثها أنّ ظاهر الرّواية هو التّرجيح بمجموع الصّفات لا بكلّ واحدة منها