فقط ليس اللاّزم العمل بما يخالف العامة كما يدلّ عليه حديث زرارة لأنّ المخالفة لا تقتضي قوّة الظنّ بكون مضمون المخالف واقعيّا كما إذا كان الموافق موافقا لنصّ الكتاب ومحكمه لأنّ صدور الأخبار الّتي ليست واقعيّة ليس منحصرا في التقيّة عن العامة بل لعلّه كان تقيّة من بعض سلاطين الوقت الذي لا يبالي بالدّين مطلقا كبعض بني أميّة وبني العبّاس أما ترى أنّ الوليد لعنه الله استخف بالقرآن والمتوكّل لعنه الله صرّح بعداوة سيّدة النساء صلوات الله عليها مع أنّ هذين ليسا مذهبا لأحد من العامة ومنها أنّ العرض على كتاب الله تعالى إن كان على المحكم الّذي صار مضمونه ضروريّا في الدّين أو المذهب فلا ثمرة لعرض الحديث عليه إن كان المقصود تحصيل العلم أو الظنّ بحقيقته ليعمل به لأنّ مثل هذا الحكم مستغن عن الدّليل وإن كان على الظّاهر الذي اختلف في ظهوره ولم يعلم من طريق الأئمة عليهمالسلام حاله والمقصود منه فلا يحصل من موافقته لمثل هذا الظّاهر قوّة الظنّ إذ ربّما كانت دعوى الظّهور من قائله غير مستندة إلى حجّة شرعيّة وكان ما ليس بظاهر عنده هو المقصود فيكون الحديث المخالف لهذا الظاهر هو المطابق للواقع ومنها الاكتفاء في البعض بالبعض ومنها مخالفة الترتيب ففي البعض قدمت الشّهرة وفي الآخر قدم السّند وغير ذلك ممّا يظهر بالتأمّل فيها والجواب عن الكلّ هو ما أشرنا إليه من أنّ الأصل التوقف في الفتوى والتخيير في العمل إن لم يحصل من دليل آخر العلم بعدم مطابقة أحد الخبرين للواقع وأنّ التّرجيح هو الفضل والأولى والمعصوم عليهالسلام علّم بعض المرجّحات مع فرض التساوي في الباقي فكأنّه عليهالسلام قال السّند مرجح مع فرض التّساوي في غيره والمخالفة للعامة مرجحة مع فرض التساوي في غيرها والموافقة للكتاب مرجحة مع فرض التّساوي في غيرها وهكذا وأمّا الاكتفاء بالبعض فغير مناف للاستحباب وأمّا التعرّض لبعض خاص فلعله كان للاهتمام به مثلا إذا كان الغالب في جماعة الكذب المخالف للقرآن والسّنة فالمناسب لمعرفة حال حديثهم من جهة الصّدق والكذب تعليم قاعدة الموافقة والمخالفة وأكثر المكلّفين وإن كانوا عالمين بالأحكام الضّرورية المستنبطة من الكتاب والسّنة ولكن لمّا سمعوا أنّ للقرآن بطونا فربّما توهموا أنّ الحديث المخالف لمحكماته ربّما كان موافقا لبواطن القرآن وأنّه يجوز نسخ الباطن بحكم الظاهر وإن علم هذا عند الأئمّة عليهمالسلام فلهذا وأمثاله قال الإمام عليهالسلام إنّ الحديث المخالف للمحكم زخرف وكذب وإن باطن القرآن لا يناقض محكماته انتهى كلامه وأنت خبير بضعف هذه الإشكالات أمّا الأوّل فإن من الواضحات أنّ مورد الترجيح إنّما هو ما لم يعلم صدق مضمون أحد الخبرين وبطلان الآخر في الواقع وإلاّ لم يقع التحير للسّائل ولم يحتج إلى إعمال المرجحات وحينئذ نختار الشقّ الثّاني من الترديد ونمنع ورود النقض الّذي أورده وأمّا ما ذكره من قوله وأيضا بعد فرض التساوي إلى آخره فيرد عليه أنّ موافق العامة إذا كان موافقا لنصّ الكتاب أو محكمه والمخالف لهم موافقا لميل سلطان الجور فهو من موارد تعارض المرجحات لأنّ الموافق لهم وللكتاب مرجوح من حيث موافقته لهم وراجح من حيث الموافقة للكتاب والمخالف لهم الموافق لميل سلطان الجور راجح من حيث المخالفة ومرجوح من حيث الموافقة والموافقة لميل حكّامهم وقضاتهم والمخالفة لهم من جملة المرجحات أيضا على ما نصّ عليه في المقبولة وصورة تعارض المرجحات خارج من مورد الأخبار لأنّ مقصود الإمام عليهالسلام بيان ترجيح أحد الخبرين بالمزية الموجودة فيه ولا مزيّة مع التعارض وقد استظهر المصنف رحمهالله في المقام الثّالث من عدم تعرّض السّائل لصورة التعارض كون مقصود الإمام عليهالسلام هو الترجيح بكلّ مزية في أحدهما مفقودة في الآخر كما سيجيء إن شاء الله تعالى وأمّا الثّاني فيرد عليه أنّ المراد بموافقة الكتاب أعم من الموافقة لنصّه وظاهره وما أورده على الموافقة لنصّه من عدم ترتب ثمرة على العرض على الكتاب حينئذ إن كان المقصود منه تحصيل الظنّ بحقية الموافق له لاستغناء هذا الحكم عن الدّليل فمقدوح بأنّه إنّما يرد لو كان المقصود هو الموافقة لنصّه خاصّة دون الأعمّ سيّما مع قلّة نصوص الكتاب بحيث لا يحتمل الخلاف وما أورده على الموافقة لظاهره من عدم حصول الظنّ به بحقيّة الموافق له فهو مخالف للوجدان إذ مجرّد احتمال إرادة خلاف الظّاهر لا يقدح في رجحان إرادة ما هو الظّاهر منه وكذا كون دعوى الظّهور غير مستندة إلى مستند شرعي غير صادم فيه إذ غاية الأمر أن يشتبه عليه الظّاهر بغيره وهو غير قادح في حصول الظنّ بل هو معذور في اعتقاده إن كان أهلا للاجتهاد وإلاّ فهو خارج من محلّ الكلام وأمّا الثالث فيرد عليه أنّه إنّما يتم على تقدير وجوب الاقتصار على المرجّحات المنصوصة لا على المختار من التعدي إلى كلّ مزيّة موجودة في أحدهما دون الآخر لأنّه إذا كان المقصود بيان التّرجيح بكل مزية كان التعرّض لبيان بعض المرجحات من باب المثال من دون مدخليّة للخصوصيّة في الترجيح نعم على القول بوجوب الاقتصار على المرجحات المنصوصة لا بد من التعرض لجميعها لئلا يلزم الإغراء والإخلال ببيان الواجب مع أنّ عدم التعرّض للجميع لعلّه لعدم الحاجة إليه إذ لعلّ الإمام عليهالسلام كان عالما بتساوي الخبرين المسئول عنهما فيما عدا المرجحات الّتي تعرض لبيانها وممّا ذكرناه يظهر ضعف الرابع أيضا إذ الموافقة في الترتيب إنّما يلزم على القول بوجوب الاقتصار على المرجحات المنصوصة وأمّا على القول بجواز الترجيح بكلّ مزيّة فلا وسيجيء توضيح الكلام في بيان التعدي عن المرجحات المنصوصة في المقام الثّالث وأمّا ما دفع به الإشكالات على تقدير حمل الأمر بالتّرجيح على الاستحباب فأمّا ما دفع به الأوّل فيرد عليه أنه إن تمّ يدفع به الإشكال على تقدير وجوب التّرجيح أيضا كما هو واضح وأمّا ما دفع به الثّالث من قوله وأمّا الاكتفاء بالبعض فغير مناف للاستحباب ولعلّ مقصوده بعدم المنافاة جواز المسامحة في المستحبات والمكروهات ولعلّه من هنا لم يتعرض لدفع إشكال مخالفة الترتيب فيرد عليه على أنّ ما دلّ على جواز المسامحة فيها من الأخبار المستفيضة إنّما هي في الثبوت عن الأئمّة عليهمالسلام حيث يتسامح في أدلتها سندا ودلالة على التفصيل المقرّر في محلّه لا في بيان الأئمة عليهمالسلام وإلاّ لزم مخالفة اللّطف لأن اللّطف كما يقتضي وجوب بيان الواجبات والمحرمات كذلك المستحبات والمكروهات وأمّا ما صحّح به جواز التّرجيح بموافقة الكتاب فهو إن تمّ يتم على القول بوجوب الترجيح أيضا كما لا يخفى (قوله) فتأمّل لعله أشار