ولعلّه قد نظر إلى تقدّم نفس الفحص على التّرجيح وإن تأخّر وجوبه عن وجوبه (قوله) مع أن أصالة العدم لا تجري إلخ لأنها أصل قد ثبت التعبّد بمقتضاه شرعا في مورد الشّكّ والعقل إنّما يستقل بحكم في مورد بعد إحراز جميع ما له دخل في حكمه وجودا وعدما على سبيل القطع أو الظنّ المعتبر وأصالة العدم لا ترفع الشكّ فلا يستقل معه العقل بالحكم بالتخيير وفيه نظر إذ لم يظهر فرق في ذلك بين الأصول التعبّدية والطرق غير العلمية وإن أفادت الظنّ لأنّ حكم العقل بالتخيير في مورد الظنّ بعدم المزية لأحد المتعارضين إن كان لأجل إدراكه لعدم المزية في الواقع فلا ريب أنّ الظنّ لا يثبت ذلك لبقاء احتمال الخلاف معه نعم لو اعتبر حكم العقل ظنّا لأجل كون بعض مقدماته ظنيّا صحّ ذلك إلاّ أنّه لا دليل على اعتباره حينئذ وإن كان لأجل تعبّد الشّارع بعدم احتمال الخلاف في مورد الظنّ حتّى يكون حكمه بالتخيير ظاهريّا فلا شكّ أنّ أصالة العدم أيضا كذلك لأنّ مقتضى اعتبارها شرعا عدم الاعتناء باحتمال خلاف مقتضاها وبالجملة أنّ الظنّ والشكّ متحدان في الحكم فإن لم يقم على اعتبار الظنّ دليل شرعا فهو بمنزلة الشّكّ في عدم جواز ترتيب أثر عليه وإلاّ فهو والشّكّ الّذي رتب الشّارع عليه آثار المشكوك فيه بمنزلة العلم في الظّاهر وإن فارقا العلم من بعض الجهات فتدبّر (قوله) وفيه مقامات إلخ لا يذهب عليك أنّ هنا مقاما خامسا كان للمصنف رحمهالله أن يشير إليه أيضا وإن كان أكثر ما سنذكره مستفادا من تضاعيف كلماته إلاّ أن ذكره في عنوان أدخل في معرفة وجوه التّراجيح ومجاريها فنقول إنّ الترجيح لا بدّ أن يكون لأسباب ولا بدّ في معرفة مجاريها من معرفة أقسام الأدلّة فليعلم أنّ الدّليلين المتعارضين إمّا لبّيان كالإجماعين المنقولين والشّهرتين كذلك ونحوهما أو لفظيان كتعارض الخبرين أو مختلفان كالملفق من اللبّي واللفظي وجميع أسباب الترجيح أيضا لا يخلو من أقسام أربعة لأنها إمّا أن ترجع إلى جهة الصّدور وهي الأمور الّتي لها دخل في قوّة السّند ككون أحدهما عالي السّند أو كثير الرّواة أو كون الرّواية مسندة لا مرسلة ومتّصلة لا مقطوعة وكذا الأمور الّتي ترجع إلى صفات الراوي ككونه أوثق أو أورع أو أفقه أو فطنا أو نحو ذلك وإمّا أن ترجع إلى وجه الصّدور كورود الرّواية في مقام التقيّة وأمّا ورودها لمصالح أخر كما حكي عن صاحب الحدائق وربّما يومي إليه بعض عبارات المصنف رحمهالله أيضا فليس في أخبارنا ما يطمئنّ بكونه من هذا الباب إن لم يحصل الإجماع على خلافه ثم التقية تارة تكون في العمل كصلاة الإمام عليهالسلام خلف المخالف وتوضيه على طريقتهم عند الخوف منهم وهذه ليست من أسباب الترجيح بمعنى كون الخبر المتضمّن لذلك مرجوحا بالنسبة إلى ما لم يكن كذلك إذ التكليف الّذي تضمّنه الفعل الواقع في مقام التقيّة تكليف واقعي أوّلي بمعنى كون التكليف الواقعي للمكلّف عند الخوف من الكلاب الممطورة هو وجوب التّوضي مثلا على طريقتهم وليس حكما ظاهريّا كما توهمه المحقّق القمي رحمهالله وقد بسطنا بعض الكلام في ذلك في تعليقنا على القوانين فراجع إليها فإذا أورد خبر متضمّن لتوضي الإمام عليهالسلام على طريقتهم عند الخوف منهم وآخر متضمّن للتوضيح على مذهب الطّائفة الناجية المحقة لا يتحقق التعارض بينهما أصلا وأخرى في القول وهي على وجوه أحدها أن لا يقصد الإمام عليهالسلام بكلامه الصّادر عنه في مقام التقيّة شيئا لا معناه الظّاهري ولا غيره بل كان مقصوده مجرّد دفع الخوف عن نفسه بهذا الكلام وثانيها أن يقصد بكلامه خلاف ظاهره من دون نصب قرينة عليه بأن كان لكلامه ظاهر وأراد خلافه دفعا للتقيّة ولذا قد يحمل على خلافه نظرا إلى اندفاع التقية بذلك فيكون خلافه مقصودا وببالي أنّه يظهر ذلك من بعض كلمات المصنف ره وفي إطلاقه نظر إذ على تقدير إرادة خلاف الظّاهر فالتقية قرينة صارفة لا معينة فإذا كان خلاف ظاهره محتملا لوجهين لا يتعين المراد بذلك اللهمّ إلاّ أن يكون أحدهما أقرب المجازين فتدبّر وثالثها أن يورد الكلام على وجه الإجمال حيثما تندفع التّقيّة بذلك بأن كان الكلام ذا وجهين فصاعدا من دون ظهور له في أحدهما فأراد أحدهما من دون نصب قرينة عليه مثل ما سئل بعض العلماء عن علي عليهالسلام وأبي بكر أيّهما خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال من بنته في بيته ومنه قول عقيل أمرني معاوية أن ألعن عليّا ألا فالعنوه وإمّا أن ترجع إلى جهة الدّلالة ككون دلالة أحدهما بالعموم والآخر بالخصوص أو بالإطلاق والتقييد أو أحدهما بالمنطوق والآخر بالمفهوم وإمّا أن ترجع إلى جهة المضمون بأن كان مضمون أحدهما أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر لأجل الموافقة للشّهرة ونحوها وجميع المرجحات المذكورة في الباب لا يخرج من أحد الأقسام الأربعة المذكورة وربّما يزاد عليها قسم خامس وهي مرجحات المتن وقد أدرجناه في الأقسام المذكورة تقليلا للأقسام ثم إنّك قد عرفت أنّ الدّليلين لا يخلوان إمّا أن يكونا لفظيين أو لبّيين أو مختلفين وأمّا معرفة تأتّي وجوه التراجيح كلا أو بعضا في أقسام الأدلّة المتعارضة فتتوقف على توضيح للمقام فنقول إنّ الدليل اللّفظي إمّا هو الكتاب أو السنة النّبويّة أو الإماميّة أعني الأخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار عليهمالسلام وأمّا الكتاب فلا تتأتى فيه مرجحات السند لقطعية سنده اللهمّ إلاّ أن يفرض بالنسبة إلى اختلاف القراءات كقراءة يطهرن بالتخفيف والتّضعيف وكذا مرجحات وجه الصّدور لعدم تأتي احتمال التقيّة في كلامه سبحانه وأمّا مرجحات الدّلالة أو المضمون فهي جارية فيه كتعارض منطوق آية مع مفهوم أخرى أو ظاهري آيتين مع موافقة أحدهما للشّهرة وأمّا السنّة النبويّة فيجري فيها جميع المرجّحات ما عدا مرجّحات وجه الصّدور لعدم تقيّة النبي صلىاللهعليهوآله في بيان الأحكام لعدم خوفه من أحد في عصره في إبلاغها وأمّا السّنة الإماميّة فيجري فيها المرجّحات بأقسامها وهو واضح وأمّا الدّليل اللبّي وهو فعل الإمام عليهالسلام وتقريره والإجماع محصّلا ومنقولا على ما ستعرفه أو الشّهرة أو ما يضاهيها فلا تجري فيه مرجحات الدّلالة مطلقا لفرض عدم كونه من قبيل اللّفظ حتّى تصلح دلالته للقوّة والضّعف وأمّا باقي المرجحات فأمّا الفعل والتقرير فتجري فيهما المرجحات الصدورية وأمّا وجه الصّدور فتجري في الثاني دون الأوّل لما عرفت من خروج التقيّة في العمل من موضوع البحث بخلاف التقية في تقرير شخص على عمله لجواز أن يأتي شخص في حضور إمام عليهالسلام بفعل وقرّره عليهالسلام على هذا الفعل خوفا منه أو من غيره والتقيّة في التقرير كالتّقيّة في القول في الاندراج في عنوان البحث كما يظهر ممّا قدمناه