في هذا الباب ولا لغة أيضا كما لا يخفى وقد يستند في إثبات جواز تعارض القطعيين إلى أنّه يمكن أن يكون مدلول أحد الدّليلين حكما واقعيّا والآخر ظاهريّا كالأحكام المجعولة في مقام التقيّة وفيه ما لا يخفى لعدم تحقق التعارض على هذا الفرض لاختلاف موضوع الدّليلين حينئذ وهو واضح (قوله) لا بدّ من الكلام في القضية المشهورة إلخ هذه القضيّة مشهورة بين الفقهاء والأصوليين لا سيّما المتقدّمون منهم وقد نسبها المحقق القمي رحمهالله إلى العلماء من دون نقل خلاف فيها مؤذنا بدعوى الاتفاق عليها قال قالوا إنّ العمل بهما من وجه أولى من إسقاط أحدهما بالكلّية وأرسل القول بأولويّة الجمع من دون تعرّض للخلاف أيضا العلاّمة في التّهذيب والسّيّد عميد الدّين في المنية والشهيد الثّاني في تمهيد القواعد بحيث يشعر بكونها من المسلّمات فيما بينهم بل قد ادعى الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي عليه الإجماع كما نقله عنه المصنف ره (قوله) أولى من الطّرح إلخ المراد بالأولوية معنى اللّزوم والتعيّن كما في قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) لا معنى التفضيل ولذا قال في التّهذيب وإن أمكن العمل بكلّ واحد منهما من وجه دون وجه تعيّن وبالجمع هو الجمع بحسب الدّلالة بعد الأخذ بسندهما كما أشار إليه المصنف رحمهالله وحكمهم بأولويّة الجمع أعم ممّا كان الجمع محتاجا إلى التّصرف في ظاهر كل واحد منهما أو أحدهما غير المعيّن أو أحدهما المعيّن وبعبارة أخرى أنّه أعمّ ممّا كان محتاجا إلى شاهدين في الجمع كما في المتباينين أو إلى شاهد واحد كالعامين من وجه أو لم يحتج إليه أصلا كالعام والخاص مطلقا وحاصل المقصود أنّ الجمع في هذه الموارد أولى من الطّرح بالمعنى الذي أشار إليه المصنف رحمهالله فهنا مقامات ثلاثة يشملها إطلاق كلماتهم في بيان القاعدة منها ما هو مقطوع بكونه من مواردها ومنها ما هو مقطوع بعدم كونه منها ومنها ما هو مشكوك الحال وسنشير إلى تحقيق الحال في ذلك (قوله) واستدلّ عليه تارة إلخ قال في تمهيد القواعد في مقام التعليل لأولوية الجمع لأنّ الأصل في كلّ واحد منهما هو الإعمال فيجمع بينهما بما أمكن لاستحالة الترجيح من غير مرجّح وأنت خبير بما فيه إذ بعد تسليم كون مقتضى الأصل في كلّ واحد من الدّليلين هو الإعمال الّذي مقتضاه الجمع بينهما بما أمكن لا معنى لتعليل الجمع بعده باستحالة التّرجيح من غير مرجّح فالأولى أن يقتصر على الفقرة الأولى من كلامه أعني قوله لأنّ الأصل في كلّ واحد من الدّليلين هو الإعمال لأنّه حيث لا يمكن العمل بهما بمدلولهما المطابقي يعمل بهما بحسب الإمكان وهو يحصل بالجمع بينهما بما أمكن لأنّه مقتضى الأصل المذكور ولذا قال المحقق القمي رحمهالله بعد نقل كلامه ولم أتحقق معنى قوله لاستحالة التّرجيح من غير مرجّح إذ المفروض عدم ملاحظة المرجّح وإلاّ فقد يوجد المرجّح لأحدهما ثم قال وتوجيهه أن يقال إنّ مراده إذا أمكن العمل بكلّ منهما ولو كان بإرجاع التّوجيه إلى كليهما فمع ذلك لو عمل بأحدهما وترك الآخر فيلزم التّرجيح بلا مرجّح إذ المفروض أنّ موضوع الحكمين متغاير في الدّليلين فلا معنى لملاحظة المرجّح بينهما لأنّ كلّ واحد من الدّليلين حينئذ دليل على حكم شيء آخر فضعف أحدهما بالنسبة إلى الآخر لا يصير منشأ لترك مدلوله وذلك كما لو فرضنا أنّ واحدة من المسائل الفقهية ثبتت بنصّ الكتاب وأخرى مباينة لها بخبر واحد فبعد ملاحظة القرائن المخرجة للفظ عن الظّاهر يصير موضوع الدّليلين مختلفا فالعمل على أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح إذ كلّ منهما قام دليل على طبقه وتكليف المكلّف في كلّ مسألة العمل بمقتضى ما يدل عليه دليلها فالعمل بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح انتهى وأنت خبير بما فيه إذ ظاهر كلامه بمقتضى التعليل بقوله إذ المفروض أنّ موضوع إلى آخره حمل كلام الشّهيد على بيان أنّه بعد الجمع بين الدّليلين بحمل أحدهما على بيان حكم موضوع والآخر على بيان حكم موضوع آخر لو أخذ بأحدهما وترك العمل بالآخر لزم التّرجيح بلا مرجح وهو كما ترى غير مجد في دفع الإشكال الّذي أشرنا إليه إذ الإشكال كما عرفت وارد على هذا التقدير كما هو واضح ويمكن توجيهه بأخذ كلامه إشارة إلى ما ذكره العلاّمة في النّهاية في مقام تعليل أولويّة الجمع قال فإن أمكن العمل بكل منهما من وجه دون وجه كان أولى من العمل بأحدهما وإبطال الآخر بالكليّة لأنّ دلالة اللّفظ على جزء المفهوم تابعة للدّلالة على مفهومه الّتي هي الدّلالة الأصليّة فإذا عمل بكل منهما من وجه دون آخر فقد تركنا العمل بالدلالة التبعية وإذا عملنا بأحدهما دون الثّاني فقد تركنا بالدّلالة الأصليّة والأوّل أولى فالعمل بكل منهما من وجه دون وجه أولى من العمل بأحدهما من كلّ وجه دون الثّاني انتهى وحاصل ما ذكره الشّهيد على وجه ينطبق على ما ذكره العلاّمة أنّه مع تعارض الدّليلين إمّا أن يجب العمل بكلّ منهما بمدلولهما المطابقة وهو غير ممكن بالفرض أو يجب طرحهما معا وهو خلاف الإجماع وخلاف ما دلّ على اعتبار الأمارتين المتعارضتين أو يؤخذ بأحدهما المعيّن دون الآخر وهو ترجيح بلا مرجّح وبعد ثبوت عدم إمكان العمل بهما معا بمدلولهما المطابقة وكذا طرحهما رأسا أو أحدهما المعيّن تتساقط دلالتهما المطابقة لأجل التعارض وعدم إمكان الترجيح فيتعين الأخذ بدلالتهما التبعيّة إذ الأصل في كل من الدّليلين الإعمال بحسب الإمكان فلا يجوز طرحهما بالكليّة كما أشرنا إليه وقد ظهر بما قدّمناه أن ما عللوا به أولوية الجمع وجهان كما أشار إليهما المصنف رحمهالله وأن أولهما راجع إلى الثّاني وأمّا الجواب عنه فبأنّ الدّلالة التضمنية والالتزاميّة تابعتان للمطابقة ولذا تسمّى أصليّة وهما تبعية فحيثما انتفت الأصليّة تتبعها التبعية لا محالة في الانتفاء لفرض كون دلالة اللفظ على الجزء واللاّزم بتبعية دلالته على الكلّ والملزوم نعم يتم الأخذ ببعض المدلول دون بعض إذا كانت دلالة اللّفظ على البعض مأخوذة بالاستقلال والأصالة دون التبعية للكلّ كالعمومات بناء على كون دلالتها على أفرادها بالأصالة والدّلالة التّامّة لا بالتّبع فتأمل ولعلّه لوضوح ما ذكرناه لم يتعرض المصنف رحمهالله لبيان ضعف الوجه الثّاني وما أورده على الأوّل مبني على ظاهر كلام الشّهيد لا على إرجاعه إلى الثّاني كما فعلناه (قوله) أمّا عدم الدّليل عليه توضيح المقام أنا قد أشرنا قبل الحاشية السّابقة أنّ هنا ثلاثة مقامات يشملها إطلاق كلماتهم في بيان قاعدة أولويّة الجمع بعضها مقطوع بعدم كونه من موارد القاعدة وهو ما كان بين ظاهر الدّليلين تباين كلي بحيث يحتاج الجمع بينهما إلى شاهدين وبعض آخر مقطوع بكونه منها وهو ما كان بين الدّليلين فيه عموم وخصوص مطلق وما في حكمه وبعبارة أخرى ما كان الدّليلان فيه من قبيل النّصّ والظّاهر أو الظاهر والأظهر بحيث لا يحتاج الجمع بينهما إلى شاهد سوى العرف وثالث مشكوك فيه وهو ما كان بين الدّليلين فيه عموم من وجه وما في حكمه ممّا يحتاج الجمع بينهما إلى شاهد واحد فأراد المصنف رحمهالله بيان هذه المقامات إلاّ أنّه قدم الكلام في الأوّل للقطع بعدم كونه من