موارد القاعدة واستدل عليه أولا بعدم الدّليل على الجمع فيه وثانيا بالإجماع وثالثا بالنصّ ومقصودنا في المقام إنّما هو توضيح الكلام في بيان عدم الدّليل وستقف على تتمة الكلام في الدّليلين الأخيرين وكذا في المقامين الأخيرين ولا بدّ هنا من بيان أمر وهو أنهم قد اختلفوا في بعض صغريات هذا المقام لأنّه قد يمثل له بمثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم العلماء وربّما يتراءى من جماعة كصاحب مطالع الأنوار والنراقي وغيرهما كونه من قبيل النصّ والظّاهر حيث جمعوا بين الفقرتين بحمل الأمر على مطلق الجواز والنّهي على الكراهة بتقريب أنّ كلّ واحد منهما نصّ في شيء وظاهر في شيء آخر فيصرف ظاهر كلّ منهما بنص الآخر لكون النّص قرينة عليه وذلك لأنّ الأمر نصّ في الجواز المطلق لغاية بعد استعماله في مقام التحديد ونحوه إذ الغالب الشائع استعماله في الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة وظاهر في الرّجحان المانع من النقيض والنّهي نصّ في المرجوحيّة المطلقة المجامعة للحرمة والكراهة وظاهر في المرجوحيّة المانعة من النقيض ولا تمانع بينهما من جهتي النصوصيّة إذ التمانع والتزاحم إنّما هو بين جهة نصوصيّة أحدهما وظهور الآخر وبالعكس فتكون جهة نصوصيّة كلّ منهما قرينة على رفع اليد عن جهة ظهور الآخر فيبقى الجواز المطلق المستفاد من الأمر والمرجوحيّة المطلقة المستفادة من النّهي فيحكم بكراهة الفعل لكونها مجمعا للعنوانين وعليك بإعمال هذه القاعدة في كلّ مورد اجتمع فيه الأمر والنّهي ولا تقتصر على المثال المذكور ولعلّه لذلك عدل المصنف رحمهالله أيضا إلى مثال العذرة وأقول في تحقيق المقام إنّه إن لوحظ التعارض بين قولنا أكرم العلماء وقولنا ولا تكرم العلماء بحسب مجموع دلالتهما المطابقة من حيث هي فلا نصوصيّة في مدلول كلّ من الأمر والنّهي لكون الأوّل ظاهرا في وجوب الفعل والثّاني ظاهرا في حرمته والتعارض بينهما على وجه التّباين لكون أحدهما نافيا لما أثبته الآخر وإن لوحظ التعارض بينهما بحسب بعض مدلولهما كتعارض جنس الوجوب مع فصل الحرمة وجنس الحرمة مع فصل الوجوب كما هو مبنى الاستدلال ففيه أنّ التعارض بين الدّليلين إنّما يلاحظ بين تمام مدلولهما وإن كان التعارض ناشئا من بعض مدلولهما وقد عرفت ظهور الأمر والنّهي في تمام الجنس والفصل للوجوب والحرمة فلا نصوصيّة حينئذ كما عرفت مع أنّ الأمر نصّ في الجواز الّذي في ضمن الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة لا في الجواز المطلق وبعبارة أخرى أنّ الأمر نصّ في الجواز القائم بالمنع من التّرك منعا لازما أو راجحا أو مساويا لجواز التّرك لا الجواز المطلق وكذلك النّهي نصّ في المرجوحيّة الّتي هي في ضمن الحرمة أو الكراهة لا في المرجوحيّة المطلقة لكون المراد باللفظ أمرا واحدا لا متعدّدا هذا ولكنّه مناقشة في المثال مع أنّ المثال لا ينحصر فيما ذكر وإن شئت مثل بمثل قوله عليهالسلام لا بأس ببيع العذرة وقوله عليهالسلام ثمن العذرة سحت كما مثل به المصنف رحمهالله نعم يتم ما ذكروه فيما لو كان الأمر والنّهي قطعيّين كما إذا كانا من الكتاب أو متواترين أو ملفقين منهما لأن القطع بصدورهما عن الشّارع قرينة عرفيّة على صرف كلّ منهما عن ظاهره وهو يحصل بحمل الأمر على مطلق الجواز والنّهي على مطلق المرجوحيّة لأنّه بعد القطع بصدورهما لا يمكن طرح أحدهما فلا بدّ من التصرّف في ظاهرهما والجمع بينهما بحسب الدّلالة ولا إشكال بل لا خلاف فيه وسيجيء زيادة توضيح لذلك فيكون مثال الأمر والنّهي خارجا من صورة التباين وداخلا في جملة موارد قاعدة الجمع بحسب نظر أهل العرف بخلاف ما لو كانا ظنيّين على ما عرفت ولعلّ من جمع بينهما بحسب الدّلالة جعلهما كالقطعيين لأجل ما دل على اعتبارهما من الأدلّة فيكون اعتبار سندهما في نظر أهل العرف قرينة على التصرّف في ظاهرهما كالقطعيين وستقف على الكلام في ذلك وإذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا دليل على جواز الجمع بما أمكن بين المتعارضات من الأخبار على وجه التّباين فضلا عن وجوبه وذلك لأنّ هنا قواعد متعدّدة متلقات من الشارع إنشاء أو إمضاء لطريقة العرف والعادة إحداها وجوب العمل بأخبار الآحاد على الوجه المقرر في محلّه بمعنى وجوب تصديق المخبرين فيما أخبروا به والبناء على صدوره عن الشّارع الثّانية وجوب العمل بظواهرها وتنزيل مقتضاها بمنزلة الواقع بإلغاء احتمال مخالفة مؤدياتها للواقع الثّالثة وجوب البناء على صدورها لبيان الواقع لا للتقيّة أو مصلحة أخرى فإذا تعارض ظاهر خبرين على وجه التباين فمقتضى إعمال هذه القواعد إجراؤها في كلّ واحد من المتعارضين بأن يصدقا من حيث الصّدور ومن حيث وجه الصّدور ومن حيث الدّلالة ولكن تصديقهما من هذه الحيثيّات جميعا موجب للتعارض والتمانع بينهما فلا بدّ في رفع التعارض بينهما من رفع اليد عن مقتضى إحدى هذه القواعد في أحد المتعارضين أو كليهما بأن يؤخذ بأحدهما سندا ويطرح الآخر كذلك وحينئذ يخرج المطروح من مورد القاعدتين الأخيرتين أيضا لتوقّف إعمال مقتضاهما على اعتبار موردهما أو يؤول ظاهرهما بما يرفع التنافي بينهما إذ الكلام في تعارض المتباينين اللذين لا يجتمعان إلاّ بصرف كلّ منهما عن ظاهره فلا يكفي التأويل في أحدهما أو يحمل أحدهما على التقية والشكّ في جريان إحدى هذه القواعد ليس مسبّبا عن الشكّ في جريان الأخرى حتّى يقدم الشكّ السّببي على الشكّ المسبّب منهما بل الشكّ في جريان كلّ واحدة منها مسبّب عن ثالث وهو العلم الإجمالي بانتفاء مقتضي إحداها في مورد التّعارض فحينئذ لا وجه لتقديم التصرّف في ظاهر المتعارضين على رفع اليد عن سند أحدهما المخير أو المعيّن مع وجود مرجّح أو حمل أحدهما على التقيّة لأنّا إن سلمنا عدم الدّليل على تقديم الثّاني لا دليل على تقديم الأوّل أيضا وذلك لأنّه لمّا لم يمكن إعمال كلّ منهما بحسب السّند والدّلالة لتمانعهما وتزاحمهما ولا طرح كلّ منهما لأجل ما دلّ على اعتبارهما سندا ودلالة فما هو ممكن إمّا هو الأخذ بأحدهما وطرح الآخر بالكليّة كما هو المشهور وإمّا هو الأخذ بسندهما وطرح ظاهرهما كما هو مقتضى قاعدة الجمع والثّاني ليس بأولى من الأوّل لأنّ التعبّد بسند أحدهما يقيني للزومه على صورتي الإمكان وكذا طرح ظاهر أحدهما وهو ظاهر الآخر غير المتيقن التعبّد بسنده ففي كلّ من صورتي الإمكان لا بدّ من الأخذ بسند أحدهما وطرح ظاهر الآخر ولو بواسطة طرح سنده ففي ترجيح إحدى الصّورتين وتعيينها لا بد من ارتكاب خلاف أصل إمّا في الأولى فهو ارتكاب طرح سند أحدهما وهو مخالف لما دلّ على اعتباره سندا وإمّا في الثّانية فهو ارتكاب التّأويل في ظاهر ما هو متيقن التعبّد بصدوره ولا أولويّة لهذه الصّورة بل ربّما يتخيل أولويّة الأولى نظرا إلى أن في الجمع بينهما بتأويل كلّ منهما مخالفة أصلين لمخالفته لما دلّ على اعتبار ظاهر كلّ منهما بخلاف الأولى ولكنه فاسد لأنّ مخالفة التّأويل