في حجية الظن
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى عترته المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين (قوله) إنّ المعروف هو إمكانه إلخ بل عن العلامة دعوى الإجماع عليه ولعلّه لم يعتد بخلاف ابن قبة وهو المخالف في المسألة من قدماء أصحابنا وحكى أيضا عن جماعة من المخالفين (قوله) المحكي عن ابن قبة إلخ في الخلاصة محمّد بن عبد الرّحمن بن قبّة بالقاف المكسورة والباء المنقطة تحتها نقطة المفتوحة الرّازي أبو جعفر متكلّم عظيم القدر حسن العقيدة قويّ في الكلام كان قديما من المعتزلة وتبصّر وانتقل انتهى وقال أبو علي في ترجمته المعروف المتداول على الألسن في ترجمته قبّة ضمّ القاف وتشديد الباء وفي الإيضاح نقل عن ابن معد الموسوي كما في صه ثمّ قال ووجدت في نسخة أخرى بضمّ القاف وتشديد الباء والّذي سمعناه من مشايخنا هو الأوّل (قوله) ويظهر من الدّليل إلخ يعني من دليله الثّاني (قوله) الثّاني أنّ العمل إلخ يحتمل أن يريد به الاستحالة الذّاتيّة بأن يريد أنّ الحليّة والحرمة من الصّفات المتضادّة فلو جاز التّعبّد بالظنّ أدّى إلى اجتماع ضدّين في محلّ واحد ويحتمل أن يريد به الاستحالة العرضيّة بأن أراد أنه لو جاز التعبّد بالظّنّ أدّى ذلك إلى تحليل الحرام وبالعكس وهو لغو ومناف للغرض وصدوره عن الشّارع الحكيم قبيح وصدور القبيح عنه محال لمنافاته الحكمة واحتجّ لابن قبّة أيضا بوجوه أحدها ما حكى عن ذريعة السّيّد من أنّه لو أمكن التعبّد بخبر الواحد في الأحكام أمكن في نقل القرآن أيضا والتّالي باطل بالإجماع فالمقدّم مثله وثانيها أنّه لو جاز التعبّد بخبر الواحد في الأحكام الفرعيّة جاز في الأصول العقائد أيضا والتّالي باطل إجماعا فكذا المقدّم وثالثها ما عن ذريعة السّيّد من أنّه لو جاز الاعتبار بخبر الواحد لجاز في الأخبار المتعارضة أيضا والتّالي باطل فالمقدّم مثله ويرد على الأوّل منع الملازمة إذ المقصود من إنزال القرآن صيروريّة معجز المن أتى به فلا بد فيه من اقترانه بما يفيد العلم ليكون دليلا على نبوته بخلاف الأخبار عن النّبي في الأحكام الفرعيّة وعلى الثّاني منع الملازمة أيضا إذ الفارق بين المقامين سهولة تحصيل العلم في أمّهات أصول العقائد لابتنائها على قواعد عقليّة أو عمليّة قطعية بل هي أمور فطريّة يصل إليها عامة النّاس بفطرتهم الّتي فطرهم الله عليها لو لا كون أكثرهم مسبوقين بالشّبهة بخلاف الأحكام الفرعيّة الّتي تقصر العقول النّاقصة عن إدراكها لكون أكثرها تعبّدية لا سبيل للعقل إليها مع أنّ المطلوب في الأصول هو الاعتقاد وفي الفروع هو العمل فلو انسد باب العلم في بعض مسائل الأصول كتفاصيل المعاد مثلا نمنع ثبوت التّكليف فيه إذ المطلوب في الأصول الاعتقاديّة كما عرفت هو تحصيل الاعتقاد ومع تعذر الاعتقاد العلمي نمنع ثبوت التكليف بالظنّي منه بخلاف الأحكام الفرعيّة إذ المقصود منها العمل فمع تعذر العلم بها أمكنت دعوى ثبوت التكليف بالعمل بالظنّ في مقام الامتثال خروجا من عهدة التكليف الثّابت في الواقع بقدر الإمكان وعلى الثّالث مضافا إلى منع عدم العمل بالمتعارضين مطلقا لثبوت التّكليف بالعمل بأحدهما من باب التّسليم كما ورد عنهم عليهمالسلام أنّ عدم العمل بهما لوجود المانع وهو المعارض لا يقاس عليه ما خلى عن معارض مكافئ (قوله) فالأولى أن يقرّر لمّا كان ظاهر دليل المشهور دعوى الإمكان الواقعي وكان إثباته موقوفا على إحاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وانتفائها في الواقع وكانت دعوى ذلك مصادمة للوجدان فعدل عنه المصنف رحمهالله وقرّره بما يفيد الإمكان الظّاهري وحاصله أنّ التّعبّد بالظّنّ لم تثبت استحالته إذ ليس في العقل ما يستحيله ومع الشّكّ في إمكان شيء وامتناعه يحكم بإمكانه في مرحلة الظّاهر لبناء العقلاء على الإمكان في مثله ولعلّ هذا التقرير مأخوذ من المحكي عن ابن سينا من قوله كلّما قرع سمعك وشككت في إمكانه وامتناعه فذره في بقعة الإمكان لأنّ ظاهره أيضا دعوى الإمكان الظّاهري في مقام الشك ولعلّ مبناه ما أشرنا إليه من بناء العقلاء وأنت خبير بأنّه مع بعده عن كلام ابن سينا لترفع الحكماء عن التكلم في إثبات الأحكام الظّاهريّة لأنّ مسرح أنظارهم ومسرع أفكارهم بيان الأمور الواقعيّة أنّ ثبوت بناء العقلاء على وجه يجدي في المقام لا يخلو من إشكال بل منع نعم ربّما يتمسّك في المقام بالغلبة نظرا إلى كون الممكن أغلب من الممتنع لأن للأوّل فردين أحدهما الممكن بالمعنى العام والآخر الممكن بالمعنى الخاصّ بخلاف الممتنع وفيه مضافا إلى عدم وجود جامع بين الممكن والممتنع حتى تدعى الغلبة فيه صنفا أو فردا أنه إن أريد بها الغلبة صنفا بأن تدعى كون الممكن أغلب صنفا من الممتنع ففيها منع تحقق الغلبة بمجرد وجود صنفين للممكن وصنف واحد للممتنع إذ المعتبر فيها كون الأفراد النّادرة كالمعدومة في جنب الموجودة وإن أريد بها الغلبة بحسب الأفراد بأن يدعى كون أفراد الممكن بمعنييه أغلب بالنّسبة إلى أفراد الممتنع ففيها منع واضح لتوقّفه على الإحاطة بأفراد الممتنع بحسب الواقع وليس للعقل إليها سبيل مع أنّ كلّ ممكن مع عدم بعض أجزائه أو شرائطه تنشعب منه أفراد متكثّرة للممتنع إذ لا ريب في امتناع ما يلاحظ مع عدم جزئه أو شرطه فتضاعف أفراد الممتنع أضعاف مضاعف أفراد الممكن وقد يتمسّك له أيضا بالاستصحاب إذ الممتنع يحتاج إلى قدر زائد في رجحان العدم بالغ حدّ اللّزوم كالواجب في الحاجة إلى القدر الزّائد في رجحان الوجود والأصل عدم هذا القدر الزّائد فيثبت به إمكان المشكوك فيه لأنّه ما خلي عن الرّجحانين