أم عاديّا أم شرعيّا والأولى أن يقال إنّ قيد التنافي في الحدّ أعمّ من أن يكون بين الدّليلين البسيطين والمركبين ومن المركب والبسيط وما أشرنا إليه من قبيل الثالث إذ التنافي فيه في الحقيقة بين الرّواية الأولى والأخيرتين ووجه الأولويّة أنّ التعارض موضوع يتعلق به الحكم بالتخيير مع تكافؤ الدّليلين وبالتّرجيح مع مزية أحدهما وهذان الحكمان إنّما يتعلقان بنفس المتعارضين لعدم إمكان تحقّق الحكم في غير موضوعه فإذا فرض رجحان أحد المتعارضين وتعين تأويل المرجوح منهما فعلى ما اعتبرناه أولا من خروج الأمر الخارجي من طرفي التعارض لا بدّ من صرف التأويل إلى نفس الدّليل المرجوح دون الأمر الخارجي لفرض خروجه من طرفي التعارض وهو على إطلاقه غير صحيح إذ ربّما يتعين تأويل الأمر الخارجي أيضا بما يوافق الرّاجح كما إذا فرض كونه ظنيا والرّاجح قطعيّا إذ المتعارضان كما قد يكونان قطعيّين وقد يكونان ظنيّين وقد يكونان مختلفين وكذلك الأمر الخارجي قد يكون قطعيّا وقد يكون ظنّيا فالأولى أن يفرض التعارض بين أحد الدّليلين والدّليل الآخر مع ضميمة الأمر الخارجي ثم إنّ التّعارض قد يكون على وجه التناقض وأخرى على وجه التضاد وثالثة على وجه العموم من وجه وأمّا على وجه العموم مطلقا فلا يشمله قيد التنافي لعدم التنافي بين العام والخاص وكذا المطلق والمقيد بحسب العرف بل بين الظّاهر والأظهر مطلقا فلا يصغى إلى خلاف جماعة من أواخر المتأخرين ممن يظهر منه دخول ما أشرنا إليه في باب تعارض الأدلّة وممّن يظهر منه خروج ذلك منه السّيد عميد الدّين في المنسية قال واعلم أنّ المتعارضين هما اللّذان لا يمكن الجمع بين مدلوليهما إمّا بأن يكون أحدهما ينفي ما أثبته الآخر من الحيثيّة الّتي أثبتها مطابقة كما لو قال صل في الوقت الفلاني فرضا ثم قال لا تصل في ذلك الوقت فرضا أو التزاما كما لو قال طف في ذلك الوقت أو صلّ فيه نفلا انتهى ولعلّ عدم تعرّضه للدّلالة التضمنية لعدم الاعتداد بها كما قرّر في محلّه وكذا الفاضل الجواد حيث قال التعارض أن يكون هناك دليلان يتضمنان حكمين يتعذر العمل بهما وليس أحدهما أولى من الآخر انتهى لأنّ العمل بالعامين مطلقا ممكن عرفا كما أشرنا إليه ويشهد بخروج ذلك من باب التعارض عقد باب في مباحث الألفاظ لكلّ من العام والخاص مطلقا والمطلق والمقيد حيث يذكرون حكم كل منهما ووجه الجمع بينهما في بابه ثمّ إنّ تخصيص الدّليلين في الحدّ بالذّكر لبيان أقلّ المراتب وإلا فقد يتحقق التعارض بين الأدلّة وكذا المراد منهما أعمّ من الدّليل الاجتهادي والفقاهتي مع تساوي مرتبتهما كالخبرين والاستصحابين والبراءتين وأمّا مع اختلاف مرتبتهما كالكتاب والسّنة مع الأصول بل الاستصحاب مع البراءة ونحوهما فلا تعارض بينهما كما أشار إليه المصنف رحمهالله وسنشير إلى توضيح ما يتعلق به وكذا إلى سائر ما يتعلق بأقسام المتعارضين من حيث كونهما قطعيين أو ظنيّين أو بالاختلاف (قوله) ومنه يعلم أنّه لا تعارض إلخ لا يذهب عليك أن قيد التنافي في الحدّ مخرج لأمرين أحدهما مخالفة الأصول للأدلّة الاجتهادية لعدم تحقّق التعارض بينهما لأجل اختلاف موضوعهما وثانيهما مخالفة الدّليلين القطعيين على ما سيشير إلى بيانه وتوضيح المقام تارة ببيان الوجوه التي يمكن أن يتوهم التنافي والتعارض من جهتهما بين الحكم الواقعي والظّاهري في موضوع واحد وأخرى ببيان ما يدفع ذلك أمّا الأوّل فاعلم أنّ الحكم الواقعي ما جعله الشّارع اقتضاء أو تخييرا للموضوعات الواقعيّة من حيث هي يعني مع قطع النّظر عن تعلق إحدى الإدراكات بها فلا يتغير بالعلم والجهل والظّاهري ما كان مجعولا للجاهل بالحكم الواقعي أو موضوعه فالفرق بينهما إنّما هو بأخذ الجهل في موضوع الثّاني دون الأوّل ومجرّد ذلك لا يدفع التنافي بينهما لأنّه إذا كان شيء في الواقع حراما فالشّكّ في حرمته أو في موضوعها لا يخرج الموضوع الواقعي من وجوده الواقعي فالمائع المردّد بين الخمر والخلّ إذا كان خمرا في الواقع تلازمه الحرمة في الواقع وحينئذ يمتنع عروض الرّخصة له في الظاهر بأصالة الإباحة لوجوه أحدها امتناع اجتماع الضّدين قضيّة لتضاد الأحكام الخمسة لأنّ الحرمة وإن ثبتت لشرب الخمر في الواقع من حيث هو والإباحة له في حال الجهل إلاّ أنّ اختلاف جهة المنع والرخصة أعني جهتي الواقع والظّاهر لا يوجب اختلاف موضوعهما في الخارج نظير ما لو وجب إكرام زيد لكونه ابن عمرو وإهانته لكونه أخا بكر وثانيها لزوم التّكليف بما لا يطاق في بعض صور اختلاف الحكم الواقعي والظّاهري وإن قلنا بكون تعدّد الجهة مكثرة للموضوع نظير ما ذكروه في امتناع اجتماع الأمر والنّهي مع تعدد الجهة وثالثها امتناع اجتماع المصلحة والمفسدة في موضوع واحد والتقريب فيه يظهر من الوجه الأوّل الرّابع قبح تفويت مصلحة الواقع عن المكلّف لأنّه إذا كان فعل في الواقع واجبا أو حراما فالرّخصة في التّرك على الأوّل والفعل على الثّاني في الظّاهر لأصالة البراءة يوجب تفويت مصلحة فعل الواجب أو ترك الحرام لا محالة ومحظور هذه الوجوه لا يندفع إلاّ بارتكاب التخصيص في أدلّة الواقع أو الظّاهر ولكن لا سبيل إلى الأوّل إجماعا فتعين الثّاني كما عليه جماعة من متأخري المتأخرين هذا كلّه في الحكم الواقعي بالقياس إلى مؤدّيات الأصول ومنه يظهر قياس الواقع إلى مؤدّيات الطرق الاجتهاديّة لكونها ظاهرية أيضا بالنّسبة إلى الواقع الأولي وكذا قياس مؤدّيات الطّرق إلى مؤدّيات الأصول لكونها بمنزلة الواقع بالنّسبة إليها وأمّا الثّاني فإنّه يدفع الوجه الأوّل منع التضاد بين الحكم الواقعي والظّاهري بعد تغاير موضوعهما لأنّ موضوع الأوّل هو الواقع من حيث هو وموضوع الثّاني هو الواقع بوصف كونه مجهولا وقياسهما على وجوب إكرام زيد من جهة كونه ابن عمرو وإهانته من جهة كونه أخا بكر قياس مع الفارق لأنّ الموضوع في المقيس عليه واحد وكونه ابن عمرو وأخا بكر إنما هما جهتا عروض الحكمين وسببه ومنه يظهر ضعف الثّالث أيضا وأمّا الثّاني فيدفع بأنّ التّكليف بما لا يطاق إنّما يلزم إذا تنجّز التكليف بالواقع مطلقا سواء علم به المكلّف أم لا وإلاّ فمع كون الحكم الواقعي شأنيا كما هو الفرض في موارد الجهل بالواقع فاللاّزم منتف لا محالة وأمّا الرّابع فيندفع بأنّ مفسدة تفويت الواقع يندفع بتداركها بمصلحة أخرى وإن لم نعلمها تفصيلا واحتمال ذلك يدفع القبح المذكور وممّا يكشف عن صحّة جميع ما ذكرناه حسن الاحتياط في موارد الأصول إذ الواقع لو كان مختصّا بها لم يبق مسرح للاحتياط حينئذ أصلا وممّا ذكرناه تظهر الحال بالنّسبة إلى سائر المراتب المذكورة الّتي منها ما نحن فيه وهي نسبة الأدلّة الاجتهادية إلى الأصول (قوله) والدّليل المفروض إن كان بنفسه إلخ توضيح ما ذكره يتوقف على بيان معنى الورود والحكومة والفرق بين الثّاني والتّخصيص والثّمرة بينهما وقد أشار