بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى عترته المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين (قوله) خاتمة إلخ لا إشكال بل لا خلاف في أنّ البحث عن الأخبار من حيث التعادل والتّرجيح داخل في المسائل الأصوليّة مضافا إلى أن تمايز العلوم على ما ذكروه إنّما هو يتمايز موضوعاتها أو بحدودها ومقتضاهما أيضا كذلك أمّا الأوّل فإن موضوع علم الأصول هي الأدلّة الأربعة فيكون البحث عن أحوالها من مسائل هذا العلم والبحث عن الأخبار من حيث التعادل والترجيح بحث عن أحوالها فيدخل في مسائله وأمّا الثّاني فإنّ علم الأصول على ما عرّفوه هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة ولا إشكال في انطباقه على ما نحن فيه وربّما يتعجّب من أنّهم مع إكثارهم الخلاف في أغلب المسائل الأصوليّة من حيث اندراجها في المبادي أو المسائل الكلاميّة أو الفقهية قد أدرجوا هذه المسائل الخلافية في مقاصد هذا العلم وذكروا هذه المسألة في خاتمة الكتاب الموهم لخروجها من المقاصد مع ما عرفت من شهادة اتفاقهم وموضوع العلم وحدّه بخلافه وأقول لعلّ الوجه فيه أنّ البحث عن الأدلّة من حيث التّعادل والترجيح متأخّر شأنا عن البحث عن سائر أحوالها كالبحث عنها من حيث الدّلالة أو الحجّية لأنّ البحث عنها من حيث التعارض فرع دلالتها وحجيّتها ولذا أخّروا البحث عنها من هذه الحيثية عنه عن سائر الحيثيّات فجعلوا البحث عنها من هذه الحيثية في الخاتمة إشارة إلى كون ذلك آخر ما يبحث عنه في هذا العلم لا إلى خروجه من مسائله وأمّا ما أشرنا إليه من إكثارهم الخلاف في أكثر المسائل الأصوليّة فذلك مثل دعوى دخول مباحث الألفاظ طرّا وكذا البحث عن حجّية الكتاب والسّنّة والإجماع والعقل في المبادي ودخول البحث عن حجيّة الأولين في الكلام وعن أصالة البراءة والاستصحاب والاجتهاد والتقليد في الفقه أو البحث عن الأخيرين في الكلام نظرا في الأوّل إلى أنّ مسائل كلّ علم هي النّسب الخبريّة المتعلّقة بأحوال موضوع هذا العلم من حيث إنّها أحوال موضوع هذا العلم والبحث عن دلالة الأمر والنّهي والعموم والخصوص وسائر ما يتعلّق بها من المباحث اللفظيّة ليس بحثا عن أحوال الأدلّة من حيث إنها أحوالها لعموم عنوان هذه المباحث إذ البحث عن دلالة الأمر مثلا ليس مقيّدا بعنوان ورودها في الكتاب والسّنة ولذا تنسب الدّلالة إليه ولو مع وروده في غيرهما أيضا والبحث في مباحث العلوم إنّما هو عن الأحوال المختصّة بموضوعات تلك العلوم إذ البحث عن أحوال العام لا يعدّ بحثا عن أحوال الخاصّ فمن هنا تخرج تلك المسائل من مقاصد هذا العلم نعم لمّا كان البحث عن أحوال الأدلّة من حيث حجيّتها أو تعادلها وترجيحها متوقفا على معرفة تلك المسائل فلا بد من ذكرها في المبادي والجواب أنّ عنوان تلك المسائل وإن كان أعمّ إلاّ أن بحث الأصولي عنها إنّما هو بعنوان ورودها في الكتاب والسّنة لعدم تعلق غرضه بغير ذلك لعدم حاجته إلى البحث عن مفاهيم الألفاظ من حيث هي وفي الثّاني إلى أنّ البحث عن الحجيّة بحث عن موضوع الدّليل من حيث كونه دليلا والبحث عن تشخيص موضوع العلوم داخل في المبادي لأنّ البحث عن أحوال الموضوع فرع إحراز نفس الموضوع وتشخيصه وفي الثّالث إلى أنّ مرجع البحث عن حجيّة الكتاب والسّنة إلى البحث عن حجيّة قول الله تعالى والأئمّة الهدى عليهمالسلام والبحث عنها محرّر في الكلام دون الأصول وفي الرّابع إلى كون البحث عن تلك المسائل بحثا عن عمل المكلّف الّذي هو موضوع علم الفقه دون أحوال الأدلّة وفي الخامس إلى أنّ مرجع البحث عن وجوب الاجتهاد والتقليد إلى البحث عن وجوب إطاعة النّبي صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام وبالجملة أنّ الخلاف في جميع تلك المسائل موجود وقد قررنا الجواب عن الكلّ في محلّه ولا يجدي الإطناب هنا طائلا فليطلب من مواضعها نعم قد حرّرنا في محلّه كون مسائل الاجتهاد والتقليد من المسائل الفقهيّة دون الأصوليّة(قوله) في التعادل والتّرجيح إلخ التّعادل مأخوذ من عدل الحمل بالكسر وهو نصفه فكأن الدليلين المتكافئين عدلا حمل لأجل تعادلهما وتساويهما والترجيح في الأصل إحداث الرّجحان والمزية في أحد الشيئين المتقابلين وفي باب الأدلّة تقديم أحد الدّليلين المتعارضين لأجل مزية فيه ولفظ التّرجيح في عبارة المصنف رحمهالله بصيغة المفرد وفي بعض العبارات بصيغة الجمع ولكلّ وجه إذ الأوّل ناظر إلى فعل المستنبط والثّاني إلى أفراده المتعدّدة مطلقا أو باعتبار تعدّد المرجحات ويحتمل أن يراد به جنس المفرد بعد انسلاخ معنى الجمعيّة ولكنّه خلاف الظّاهر(قوله) وهو لغة بمعنى إلخ في القاموس عرض له كذا ظهر وبدا والشيء له أظهره وعليه أراه إياه (قوله) وغلّب في الاصطلاح إلخ وجه التّسمية والتغليب أنّ الدّليلين المتعارضين لأجل تعارضهما وتمانعهما بمدلولهما كأنّ كلّ واحد منهما يظهر نفسه ويبارزه لدفع الآخر فتكون العلاقة في الإطلاق هي المشابهة(قوله) ولذا ذكروا إلخ منهم السّيّد عميد الدّين في المنية ثم إنّ جريان أحكام التعادل والتّرجيح فرع إحراز تعارض الدّليلين وتمانعهما فيكون النّزاع في المسألة كبرويا والبحث عن تحقق التعارض وعدمه في بعض الموارد كما أشار إليه المصنف رحمهالله بقوله ومنه يعلم إلى آخره استطرادي لوجود المناسبة كما لا يخفى ثم إنّ توضيح الكلام في أقسام التعارض أنّ تعارض مدلول الدّليلين إمّا أن يكون بمدلولهما المطابقة مثل قولنا أكرم زيدا ولا تكرم زيدا أو بالمدلول المطابقة من أحدهما والتضمّني من الآخر مثل قولك أكرم العلماء ولا تكرم قوما كذا إذا كان بعضهم من العلماء أو الالتزامي كذلك مثل تعارض المفاهيم مع سائر الأدلّة وهكذا وعلى التّقادير إمّا أن يكون التعارض ذاتيّا أو عرضيّا ناشئا من أمر آخر كما ورد أنّه عليهالسلام متى خرج من مكّة إلى عرفات كان يقصّر في الصّلاة وما دل على عدم جواز التّقصير في الصّوم في أربعة فراسخ إذ التعارض بينهما إنّما هو بواسطة ما ورد من قولهم عليهمالسلام كلّما قصّرت أفطرت وكلّما أفطرت قصّرت وإلاّ فلا تعارض بينهما بالذّات لاختلاف موردهما وإن شئت قلت إن تنافي مدلولي الدّليلين إمّا بالمطابقة أو التّضمّن أو الالتزام سواء كان اللزوم عقليّا