المصلحة للمتقارعين في نفس الأمر فتكون القرعة معتبرة في مواردها مطلقا لتمييز المصلحة الشّخصية فيها خاصة ولم أر من تنبه على هذا المعنى من الرّواية لا يقال إنّ ما ذكرته يرجع إلى مقالة الشّهيد الثّاني من كون القرعة للتمييز دون الترجيح لأنا نقول إنّه لا يقول للتمييز بهذا المعنى كما هو واضح ممّا قدّمناه إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأصحاب كما ادعاه بعض مشايخنا قد أطبقوا على تقديم الاستصحاب بل البراءة والتخيير والاحتياط على القرعة فلا إشكال في الحكم وإنّما الإشكال في وجهه وقد ذكروا له وجوها غير ناهضة أحدها أن أدلتها وإن كثرت بل ربّما بلغت الأخبار الواردة فيها حد التواتر إلاّ أنّه قد تطرق عليها الوهن لأجل كثرة المخصّصات الواردة عليها فلا يعمل بها في مقابل الأصول بل لا يعمل بها مطلقا ما لم تنجبر بعمل الأصحاب أو جماعة منهم وفيه أنّ مقتضى هذا الوجه جواز العمل بها بعد الانجبار وأمّا قبل الانجبار فعدم العمل بها حينئذ لعدم حجيتها لا لتقدم الأصول عليها وثانيها أنّ الأصول مبنية للشبهة فيرتفع موضوع القاعدة بها فتكون الأصول واردة عليها وهذا الوجه يظهر من صاحب العناوين وفيه أنّه يمكن قلب هذه الدّعوى بأن يقال إن القرعة مزيلة للشكّ المأخوذ في موضوع الأصول ولو في الظّاهر لأنّ المأخوذ في موضوع كلّ من القاعدة والأصول في الأدلّة هو الشكّ والجهل والشبهة وعدم العلم فإن كان المراد بهذه العناوين هو الجهل بالواقع خاصّة حتّى لا يكفي في إزالتها بيان الحكم الظّاهري في مقام الجهل فلا ريب أنّ ذلك لا يختص بأحدهما وإن كان أعم من الجهل بالواقع والظّاهر فكذلك فاعتبار الجهل أعمّ منهما في موضوع القاعدة دون الأصول لا وجه له أصلا بل ربّما يدعى كون ظاهر رواية محمّد بن حكيم المتقدّمة كون القرعة كسائر الأمارات الظنّية كاشفة عن الواقع فتكون حاكمة أو واردة على الأصول ومن هنا يظهر فساد وجه ثالث في المقام وهي حكومة الأصول على قاعدة القرعة ورابعها أنّ أدلّة القرعة أعم من أدلّة الأصول فتخصّص بها لكون الأولى أعم من الشكّ في التّكليف والمكلّف به مع إمكان الاحتياط وعدمه مع كون الشّبهة حكميّة أو موضوعيّة وغيرها فإن قلت إنّ الإجماع منعقد على عدم جريان القرعة في الأحكام المشتبهة بل الضّرورة قاضية بذلك وإلاّ لاختل نظام الأحكام وحينئذ تصير النّسبة بين عمومات الأصول والقرعة عموما من وجه ومحلّ الاجتماع مع الاستصحاب هي الشّبهات الموضوعيّة المسبوقة بالحالة السّابقة ومحلّ الافتراق للاستصحاب هي الشّبهة الحكميّة مطلقا ولقاعدة القرعة هي الشبهات الموضوعيّة مع عدم سبق حالة سابقة وبعد التعارض في مورد الاجتماع لا بدّ من الرّجوع إلى سائر القواعد قلت إنّ ما ذكرت إنّما يتمّ لو ترتبت المخصصات حتّى لوحظت النّسبة بعد التّخصيص أولا بين الباقي تحت العام والخاص الآخر ولا دليل عليه لأنّ كلا من الإجماع وعمومات الأصول مخصّص لعمومات القرعة في آن واحد فإنّ انعقاد الإجماع وإن تأخّر عن صدور الأخبار زمانا إلاّ أنّه كاشف عن اقتران العام حين صدوره بما يؤدّي مؤدّاه وبالجملة أنّ جميع الأخبار وإن اختلفت صدورا بحسب اختلاف زمان الأئمة عليهمالسلام وزمان صدورها وكذلك الإجماعات وإن تأخّر انعقادها عن زمان صدور الأخبار بل اختلف زمان انعقادها إلاّ أنّ جميع ذلك لا بدّ أن يفرض كالصّادر في زمان واحد لكون جميع ذلك حاكيا عن حكم النّبي صلىاللهعليهوآله لكون الأئمة عليهمالسلام حاكين عنه لا منشئين للأحكام فهم عليهمالسلام معه صلىاللهعليهوآله كالمتكلم الواحد في زمان واحد فلا وجه للتخصيص أولا ثم ملاحظة النسبة بعده فإن قلت سلّمنا كون النّسبة عموما مطلقا إلاّ أن الخاص إنّما يقدم على العام مع قوته ورجحانه عليه وليس المقام كذلك لأنّ رواية محمّد بن حكيم المتقدّمة تدلّ كما أشرنا إليه على اعتبار القرعة من باب الكشف عن الواقع فتكون حاكمة على عمومات الأصول وإن كانت خاصّة بالنسبة إلى عمومات القرعة قلت لو لا الإجماع كما نقل على عدم وجوب الرّجوع إلى القرعة بل جوازه أيضا في موارد الأصول لاتجه ما ذكر كما لا يخفى هذا وتحقيق المقام مع الغض عن الإجماع المذكور أنا إن قلنا باعتبار الأصول من باب التعبّد فالقاعدة حاكمة عليها سواء قلنا باعتبارها من باب الظنّ النّوعي كما هو ظاهر رواية محمّد بن حكيم المتقدّمة أم من باب التعبّد كما هو ظاهر أكثر أخبارها أمّا على الأوّل فواضح وأمّا على الثاني فإنّ ظاهر الأخبار الواردة فيها كونها مجعولة لتشخيص المشتبه الواقعي في مورد الشكّ ولو تعبّدا فيكون تقدّمها على الأصول نظير تقدّم البينة عليها بناء على اعتبار البيّنة من باب التعبّد فإن قلت إنّ هذا مسلم بالنّسبة إلى البراءة والاحتياط والتخيير وأمّا بالنسبة إلى الاستصحاب فلا لأنّه أيضا في الموضوعات مشخّص لحال الموضوع المشتبه ومبيّن لبقائه على حالته الأولى قلت إنّ معنى اعتبار الاستصحاب في الموضوعات من باب التعبّد ترتيب آثار الموضوع المعلوم عليه لا وجوب البناء على كون الموضوع المشتبه البقاء موجودا في اللاّحق أو كون الموضوع المشتبه البقاء على صفة كونه في اللاّحق على الصفة المذكورة بخلاف قاعدة القرعة لأنّ ظاهر الأخبار الواردة فيها هو وجوب البناء على كون الموضوع المشتبه ما أخرجته القرعة لا على مجرّد ترتيب آثار الواقع عليه بل عليه وعلى كونه هو الموضوع المطلوب إخراجه بها وتظهر ثمرة هذا البناء في تقديمها على الاستصحاب في المقام وإن قلنا باعتبارها من باب العقل فالقاعدة واردة على ما عدا الاستصحاب لأنّ موضوع البراءة كما صرّح به المصنف رحمهالله في أوّل باب التّعادل والترجيح هو عدم البيان وموضوع قاعدة الاحتياط هو احتمال العقاب وموضوع التخيير عدم التّرجيح وهذه كلّها مرتفعة بالقاعدة وأمّا الاستصحاب فهو حاكم على القاعدة إن قلنا باعتبارها من باب التعبّد وإن قلنا باعتبارها من باب الظنّ النوعي فالظّاهر حصول التعارض بينهما وممّا ذكرناه يظهر ما في حكم المصنف رحمهالله بكون عمومات الاستصحاب مخصّصة لعمومات القرعة لأنّ الحكم بالتّخصيص إنّما يتم في غير مورد الحكومة على ما عرفت هذا كلّه بناء على الإغماض عن انعقاد الإجماع على تقديم الأصول عليها وإلاّ فلا مناص من العمل بمقتضاه ولكن ظاهر كلام المصنف رحمهالله هنا عدم تحقّقه في المقام فتدبّر (قوله) مساوقا لحكم العقل إلخ مثل قوله عليهالسلام النّاس في سعة ما لا يعلمون ونحوه لتعلّق الحكم فيه بعدم العلم المساوق لعدم الدّليل والبيان واقعا وظاهرا هذا بخلاف قوله عليهالسلام كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي لتعليق الحكم بالإباحة فيه على عدم وصول نهي من الشّارع الصّادق مع ورود حكم ظاهري لمجهول الحرمة مخالف للإباحة ولذا قد ذكر المصنف رحمهالله في مسألة البراءة معارضة هذا الخبر مع أخبار الاحتياط بخلاف غيره من أخبار البراءة(قوله) فقد يقال إلخ القائل صاحب الرّياض على ما حكاه عنه بعض مشايخنا وحاصل ما ذكره أنّه قد ثبتت بالإجماع