على قبول كل شهادة من كلّ هؤلاء المذكورين سواء كانت في مقام التنازع والتّرافع أو لا وسواء كان كل منهم منفردا أو متعدّدا اثنين أو أكثر خرج المنفرد بما يأتي فبقي الاثنان فما زاد ثم قبول شهادة شخص ونفوذها وإن كان أعمّ من أن يجعل علّة تامّة للحكم بمقتضاها أو علة ناقصة وجزء علّة إلا أنّه ليس المراد كونها جزءا لما يفيد العلم قطعا إذ لا فرق في جزء ما يفيد العلم بين هؤلاء المذكورين وغيرهم ولا معنى للتقييد بما قيد به أكثر هذه الموارد من معرفة الصّلاح أو الخيريّة أو العدالة أو العتق أو الإسلام أو البلوغ أو انضمام الغير أو كونه مرضيّا أو نائبا أو نحو ذلك فيكون إمّا قبوله من حيث التماميّة أو الجزئية لغير العلم وكلّ من يقول بصلاحيته بجزئية العلّة لا يقول باشتراط الأزيد من الاثنين في غير الزّنا فيحصل المطلوب بالإجماع المركّب القطعي فإن قيل السّائل والمسئول في جميع تلك الأخبار إنّما هو في مقام بيان حكم آخر دون إطلاق الحكم أو عمومه فلا يفيد إلاّ قبول شهادة هؤلاء في الجملة ولا كلام فيه قلنا قد مرّ في بعض العوائد المتقدّمة قريبا أنّ ذلك لا يضرّ في إطلاق اللفظ المطلق أو العام على سبيل الإطلاق إنّما هو في بعض الموادّ الّذي ليس هنا منه انتهى وحاصل ما ذكره في بعض العوائد المتقدّمة أنا إن قلنا بعموم المطلق من باب دليل الحكمة فالعمل بعمومه إنّما هو فيما لم يحتمل المقام لفائدة أخرى سوى بيان حكم المطلق وإلاّ احتمل ورود الكلام لبيان هذه الفائدة كما في قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) لوروده لبيان حلية ما يصيده الكلب لا من حيث بيان وجوب غسل موضع العضّ وعدمه وإن قلنا بعمومه من باب السّريان وتعلق الحكم بالطبيعة المأخوذة في ضمن كلّ فرد فيتحقّق الحكم في ضمن الجميع والحقّ في الحكم بالعموم حينئذ اشتراطه بعدم العلم بعدم كون الكلام منساقا لبيان حكم الطّبيعة ولا يشترط بالعلم بكونه منساقا لذلك وإلاّ لا يحكم بالعموم لعدم تعلّق الحكم بالطبيعة حينئذ فلو قال خذ هذه الدّراهم واشتر لي لحم الغنم فذهب المأمور واشترى الخبز فقال له الآمر إنّي أمرتك باشتراء اللّحم وأنت اشتريت الخبز لا يكون قوله إنّي أمرتك باشتراء اللّحم مطلقا معارضا لقوله اشتر لحم الغنم لأن قرينة المقام دالة على أنّ مراده ليس بيان إرادة طبيعة اللّحم بل أراد به نفي إرادة الخبز فلا يمكن الاستدلال به على ثبوت الحكم لجميع الأفراد هذا ملخّص كلامه ومحصّل مرامه وأقول إنّ تحقيق المقام وإن كان كما ذكره في الحكم بالعموم من باب السّراية إلاّ أنّ القرينة قائمة في الأخبار الّتي ادعي إطلاقها أو عمومها في المقام على ورودها في مقام بيان حكم آخر أعني بيان تشريع شهادة هؤلاء الجماعة المذكورين لأن السّؤال في هذه الأخبار طرّا عن أصل جواز شهادة هؤلاء لا عنها بحسب الموارد خصوصا أو عموما بعد الفراغ من أصل جوازها وهذا ما لا يقابل بالإنكار وبالجملة أنّ عموم اعتبار البينة أوضح من أن يتمسّك فيه بمثل هذه الإطلاقات وفيما قدّمناه كفاية والمعاند لا يكفيه ألف حكاية نعم بقي في المقام إشكال من جهة أخرى وهو أنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة المذكورة هو وجوب تصديق البيّنة من حيث الصّدق المخبري دون الخبري على ما أشرنا إلى الفرق بينهما سابقا فغاية ما تدل عليه هذه الأدلّة نفي احتمال تعمد الكذب في شهادة العدلين لا نفي الغفلة والسّهو والنسيان ونحوها في مقدمات اعتقادهما حتّى ينزل المشهود به منزلة الواقع فيما كانت شهادتهما مبنية على الاعتقاد النّظري دون الحسّي فالأدلّة المذكورة مع تطرق هذا الاحتمال لا تدل على اعتبار البيّنة ولا يوجد مورد يخلو من جميع هذه الاحتمالات وإن وجد فنادر فأمّا اللّفظيّة منها فلما أشرنا إليه عند بيان اعتبار شهادة العدل الواحد من ظهورها في نفي احتمال تعمد الكذب خاصة وأمّا غير اللفظيّة منها من بناء العقلاء والاستقراء فلأن ما ذكرناه هو المتيقّن منهما وأمّا دفع الاحتمالات المزبورة بالأصول فلا يعول عليه لكونها مثبتة في المقام ولعلّ ما ذكرناه هو الوجه في عدم اعتداد العلماء بشهادة العدلين في التقويمات والأروش والجنايات حيث اعتبروا فيها كونهما من أهل الخبرة وكذا قد اعتبروا في باب الرّواية بعد اعتبار عدالة الرّاوي كونه ضابطا لأنّ الشبهة في قبول قول الغير في هذه الأبواب ليست من حيث احتمال تعمّد الكذب حتّى ينفي بالأدلّة المتقدمة على اعتبار قول البينة أو العدل الواحد بل من حيث احتمال الخطإ في الاجتهاد والنظر في التقويمات والسّهو والنّسيان في الرّواية والأدلّة المذكورة لا تنفيها وإن شئت قلت إنّ اشتراطهم الخبرة والضّبط في التقويم والرّواية ليس من باب تخصيص أدلّة اعتبار قوله البينة أو العدل الواحد بل من باب عدم شمول أدلّة اعتبار قولهما لقبول قول غير أهل الخبرة وغير الضّابط وعلى ما ذكرناه إذا أخبرت البينة عن وقوع بيع أو غيره من العقود والإيقاعات ممّا اختلف فيه آراء الأصحاب أو عن طهارة ماء مخصوص في الخارج أو عن كون يوم معين أوّل شهر واحتمل كون الشّهادة في الأوّل مبنية على اعتقاد الصّحة ولعلّنا لا نقول بصحّته لو اطلعنا على اعتقاد البينة وفي الثّاني على اعتقاد طهارة الماء القليل وعدم انفعاله بالملاقاة كما هو رأي بعض الأصحاب وقلنا بانفعاله بها وفي الثّاني على الاجتهاد في علم النّجوم وقلنا بكون الحكم في أوّل الشّهر منوطا بالرّؤية كما في قوله عليهالسلام صم للرّؤية وأفطر للرّؤية لا تسمع هذه الشهادات لعدم اندفاع الاحتمالات المذكورة بأدلّة اعتبارها وهكذا في غير ذلك من الموارد الّتي احتمل ابتناء شهادة البينة على الاعتقاد النظري واحتملنا خطأه في بعض مقدّمات اعتقاده هذا ويمكن دفع هذا الإشكال ببناء العقلاء على عدم الالتفات إلى احتمال السّهو والنّسيان في الخطابات والأقارير والشهادات وأمّا احتمال الخطإ في الاجتهاد في النظريّات فإن كان المشهود به ممّا لا يحتمل الاجتهاد فيه أو علم من حال الشّاهد عدم بناء شهادته على الاجتهاد والنّظر أو احتمل ذلك فيه لكن كان اجتهاده معتبرا عندنا أيضا فلا إشكال فيه وأمّا في غير ذلك فيمكن دفع الإشكال عنه من وجوه أحدها أن يحمل المشهود به على الصّحة بعد ثبوت أصله بشهادة البيّنة فإنّها إذا شهدت بوقوع معاملة واحتملنا ابتناء شهادته على اعتقاد صحّته لأجل اجتهاده فيها كذلك وقلنا بعدم صحّتها على تقدير وقوعها على طبق ما زعمته البينة فأدلّة اعتبار قول البينة تدل على وقوع هذه المعاملة في الجملة لاندفاع احتمال تعمّد الكذب بهذه الأدلّة واحتمال السّهو والنسيان ببناء العقلاء فإذا ثبت وقوعها في الجملة وترددت بين الصّحيحة والفاسدة نحملها على الصّحيحة حملا لفعل المسلم على الصّحيح ولكن هذا الوجه لا يطرد لاختصاصه بما كان من قبيل ذلك بأن كان فعلا محتملا للصّحة والفساد وكانت شهادة البينة مبنية على الاعتقاد الناشئ من الاجتهاد والنظر بخلاف