وطهارة محتمل النجاسة ما لم تقم على حرمته أو نجاسته بينة فإنّه يقتضي عدم حجّية خبر العدل الواحد فيه منها رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام وفيها بعد الحكم بإباحة محتمل الحرمة والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة ومنها رواية عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليهالسلام في الجبن قال قال كلّ شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك بأنّ فيه ميتة إلى غير ذلك ممّا يقرب منها فهذه الأخبار مفيدة لإطلاق الأدلّة المتقدّمة ودعوى كون البينة في الأولى منها أعمّ من العدل الواحد فاسدة إمّا لكونها حقيقة شرعيّة في العدلين أو كون ذلك مرادا منها جزما ولو مجازا مضافا إلى صراحة الرّواية الثانية فيه ولا بد أن يكون ذلك مرادا من الأولى أيضا لأنّ الأخبار يكشف بعضها عن بعض ولكن يدفع هذا الوجه أنّ غاية ما تدلّ عليه الأخبار المذكورة عدم حجية خير العدل في محتمل الحرمة أو النّجاسة فيؤخذ بعموم الأدلّة المتقدّمة في غيرهما ولا يمكن إتمام الدّلالة بعدم القول بالفصل لعدم الثّبوت ولا بالفحوى لعدم الأولويّة لاحتمال كون العلّة في عدم اعتبار قول العدل الواحد في محتمل الحرمة والنّجاسة هي التّوسعة من الشّارع للمكلفين فيهما فلا يلزم من عدم اعتبار قوله فيهما عدمه في غيرهما فضلا عن أن يكون ذلك على وجه الأولويّة ثمّ إنّه لا ينافي ما ذكرناه من الكليّة وهو عدم حجيّة قول العدل الواحد في الموضوعات ثبوت اعتباره في بعض الموارد الخاصّة وقد جمع الشّهيد الثّاني في خاتمة باب التعارض من تمهيد القواعد موارد يقبل في بعضها قول العدل الواحد وفي بعض آخر قول غير العدل أيضا وفي ثالث قول النساء أيضا قال أمّا الأوّل فمنها إخبار العدل الواحد بهلال رمضان على قول بعض الأصحاب ومنها إخباره بعزل الموكل الوكيل فإنّه كاف وحده كما دلت عليه صحيحة هشام بن سالم ومنها إخباره بدخول وقت الصّلاة والفطر للمعذور كالأعمى والمحبوس ومن لا يعلم الوقت ولا يقدر على التعلم إما مطلقا أو مع تعذّر العدلين ومنها إخباره إذا كان مؤذنا بدخول الوقت بالأذان للمعذور كما مرّ قطعا أو لغيره أيضا على قول المحقّق وبعض الأصحاب استنادا إلى قوله عليهالسلام المؤذنون أمناء ولا تحقق الأمانة إلاّ مع قبول قولهم ومنها إخباره بكون الجدي من المستقبل على الجهة الموجبة للقبلة ونحوه من العلامات ومنها إخباره بوصول الظلّ إلى محلّ يعلم المخبر بأنّه يوجب دخول الوقت على قول بعض الأصحاب وإن لم يجز تقليده في أصل دخول الوقت وأمّا الثاني فمنها إخبار ذي اليد بطهارة ما بيده بعد العلم بنجاسته أو بالعكس ومنها قبول قول الأمناء ونحوهم ممّن يقبل قوله في تلف ما اؤتمن عليه من مال وغيره وأمّا الثالث فمنها قبول قول المعتدة في انقضاء عدتها بالأقراء ولو في شهر واحد سواء كانت عادتها منتظمة لا تخالف ذلك أم لا وإخباره بابتداء الحيض بها وانقطاعه عنها بعد العلم بخلافه ما لم يعلم كذبها ونحو ذلك وهو كثير جدّا ومنها ادعاء المطلقة ثلاثا التّحليل في وقت إمكانه مطلقا أو مع كونها ثقة على رواية أو إصابة المحلل وإن أنكرها على الأقوى انتهى ثمّ إنّك بعد ما عرفت عدم الدّليل على أصالة حجيّة قول العدل الواحد في الموضوعات بقي الكلام في أصالة حجيّة قول العدلين في غير باب المرافعات للإجماع القطعي على اعتبار البينة فيه وليعلم أنّ الكلام هنا في مقامين أحدهما بيان الدّليل على أصالة حجية قول البيّنة في جميع الموارد إلاّ ما أخرجه الدّليل والآخر أنّه بعد إثبات هذه الكليّة إذا شكّ في اعتبار الزّائد على العدلين هل يمكن نفيه بهذه الكليّة أم لا المشهور في المقامين هو القول بالموجب كما يظهر بالتّتبع في أبواب الفقه ولذا تراهم في كثير من المقامات يعللّون الثبوت بالبيّنة بأنّها حجّة شرعيّة قائمة مقام العلم مع عدم ورود النّص بها في كثير منها بل إرسال الأصحاب هذه المسألة إرسال المسلّمات وتعليلاتهم بعموم حجيّة البينة يوضح ما ذكرناه غايته بل ادعى بعضهم لأجل هذه القرائن الإجماع المحصل في هذه المقامات فضلا عن تحقق الشّهرة وبالجملة لا إشكال في اشتهار كون البينة من القواعد المتلقاة من الشّارع نعم ربّما يحكى خلاف ذلك عن جماعة منهم عبد العزيز بن برّاج والشيخ في خلافه والمحقق الخوانساري في شرح الدّروس والفاضل الكاشاني والوحيد البهبهاني والنّراقي في باب الطهارة والنجاسة قالوا بعدم ثبوت النّجاسة بقول العدلين لعدم الدّليل على اعتباره عموما والحكم فيها معلّق على العلم لقوله عليهالسلام كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر ومنهم السّيد في الذريعة والمحقّق الأوّل في المعارج والثّاني في الجعفريّة وصاحب الوافية حيث قالوا بعدم ثبوت الاجتهاد بشهادة العدلين لعدم الدّليل على اعتبارها مطلقا ومنهم المولى المقدس الأردبيلي في إخبار العدلين بطلوع الفجر في شهر رمضان والحقّ ما هو المشهور ولنا على المقامين وجوه من الأدلّة أحدها الإجماع المحكي المعتضد بالشّهرة المحقّقة بل ربّما تدعى استفاضته الثّاني قوله تعالى (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) فإن قلت قد تقدم أن المراد به التصديق الصّوري دون الواقعي كما هو المطلوب في قبول شهادة العدلين قلت لا شكّ أنّ الظاهر من الإيمان المفسّر في الأخبار بالتصديق هو التصديق الواقعي فلما لم يمكن إبقاؤه على ظاهره لمنافاته لمورد نزوله لما تقدّم من نزوله في المنافق النّمام يحمل على إرادة المعنى الأعمّ منه ومن التّصديق الواقعي لأنّه أقرب إلى الحقيقة بعد تعذرها فحيث تمكن إرادة التّصديق الواقعي فهو المتعيّن فيه وحيث لا تمكن كما في موردها يراد به التّصديق الصّوري ولا يلزم منه استعمال اللفظ في معنيين لأنّ المراد بها المعنى الأعمّ والاختلاف إنّما جاء من اختلاف الموارد وهو لا يوجب الاختلاف في المفهوم المستعمل فيه اللفظ فإن قلت يلزمه قبول قول العدل الواحد أيضا بل الفاسق والمنافق أيضا حيث لا يعلم كذبه كما في مورد الآية قلت تخصّص عموم الآية بما دلّ على عدم اعتبار قولهم من رواية مسعدة بن صدقة وعبد الله بن سليمان كما تقدّم وستعرف زيادة توضيح لذلك الثّالث قوله عليهالسلام إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم ومثله آخر وقد تقدما بتقريب أنّ مقتضى تعليق وجوب التّصديق والقبول على شهادة المسلمين اعتبار شهادة الجميع في القبول قضيّة لظاهر الجمع المعرف المفيد للإحاطة والاستغراق الأفرادي وهو خلاف الإجماع وبعد تعذر الحقيقة إمّا أن يحمل على إرادة الماهية والجنس الصّادق على الواحد والمتعدّد كما هو الظّاهر بعد انسلاخ المعنى الحقيقي أو إرادة الجمعية في الجنس بأن تراد شهادة الجماعة من المسلمين بأيّ مرتبة اتفقت من مراتب الجمع أو إرادة الطبيعة في ضمن فردين أعني عدلين من المسلمين ولا سبيل إلى ما عدا الأخير أمّا الأوّل فلكونه خلاف الإجماع