لا التصديق الخبري أعني ترتيب آثار الواقع على خبره وقد أوضح المصنف رحمهالله ذلك عند الاستدلال على حجيّة أخبار الآحاد فإن قلت إنّ هذا إنّما يتمّ في الآية والرّواية الأولى وأمّا الرّوايتين الأخيرتين فلا لأنّ إسناد التقصير فيهما في دفع البضاعة إلى الرّجل القرشي مطلقا على إحداهما وعلى تقدير الدّفع في الأخرى دليل على كون المراد بتصديق المسلمين فيهما هو التصديق الخبري لا محالة لا التصديق الصّوري قلت نعم ظاهرهما ذلك ولكن لا بد من حملهما على إرادة التّصديق الصّوري مع مراعاة الاحتياط في دفع البضاعة بقرينة الاستشهاد فيهما بالآية الّتي يتعيّن حملها على إرادة ذلك كما أشرنا إليه هذا كلّه مضافا إلى ما أشار إليه المصنف رحمهالله هنا وحاصله أنا لو قلنا بظهور الآية والرّوايات في المدّعى وبنينا على خروج ما أخرجه الدّليل لزم تخصيص الأكثر لأنّ المراد بالمؤمنين والمسلمين فيها العموم الأفرادي قضيّة لظاهر الجمع المعرف والإجماع منعقد على عدم جواز تصديقهم في الشهادة والرّواية إلاّ مع شروط خاصّة ولا في الحدسيات والنظريّات إلا في موارد خاصّة كالفتوى ونحوه ودعوى كون الخارج بحسب النّوع لا الأفراد حتّى يلزم المحظور يدفعها مع تسليم كثرة الأنواع الباقية ظاهر الجمع المعرف المقيد للعموم الأفرادي مضافا إلى لزوم تخصيص المورد كما لا يخفى فلا مناص من حمل التّصديق فيها على التّصديق الصّوري وإلى أن آية النبإ دالّة على وجوب التبيّن في خبر الفاسق فتخصص الآية والأخبار المذكورة بها فلا تدلّ على تمام المدعى من وجوب تصديق خبر المسلم مطلقا فتأمل ثم مع التنزل عن عموم الدّعوى فهل يمكن إثبات وجوب حمل خبر العدل على الصّدق على الوجه الثالث أو لا وليعلم أنّ مرادنا بالعدل هنا مقابل ما علم فسقه لا العدل الواقعي ليدخل فيه ذلك ومن لم تحصل له بعد ملكة العدالة كالكافر إذا أسلم ولم يصدر عنه بعد معصية ولم تحصل له ملكة بعد والمسلم بعد بلوغه كذلك ومن هو مجهول الحال ويدلّ عليه أولا عموم الآية والأخبار السّابقة وثانيا قوله عليهالسلام المؤمن وحده جماعة وثالثا الأصل لأنّ المانع من قبول قول المسلم فسقه كما يدلّ عليه تعليق وجوب التبيّن عليه في آية النّبإ لأنّه يقتضي كون الإسلام من حيث هو مقتضيا للقبول وأنّ المانع منه الفسق فحيث علمت العدالة فهو وإلاّ فحيث احتمل عروض الفسق يدفع بالأصل لأنّ الظّاهر أنّ الفسق أمر وجودي وليس عبارة عن عدم الملكة حتّى لا يكون موردا للأصل وحيث يدفع احتماله بالأصل يعمل المقتضي عمله ورابعا مفهوم آية النبإ لأنّ مقتضى تعليق وجوب التبيّن فيها على وصف الفسق هو اختصاص وجوبه بموارد العلم بفسقه لظهور الفاسق في ذلك فيدخل أقسام العادل على ما عرفت في مفهومها شرطا أو وضعا وفي الجميع نظر أمّا الأوّل فلما تقدّم من عدم دلالتها على أزيد من التّصديق الصّوري وأمّا الثّاني فلضعفه سندا كما تقدّم سابقا عند الاستدلال على أصل القاعدة مضافا إلى أن إبقاءه على ظاهره والبناء على تخصيص ما أخرجه الدّليل يوجب تخصيص الأكثر كما تقدّم فلا بدّ من حمل المؤمن فيه على إرادة الكمل من المؤمنين أو غير ذلك كما أشرنا إليه هناك وأمّا الثّالث فمع عدم دلالة التعليق على الوصف إلاّ من باب الإشعار الّذي لا حجّية فيه أنّه يحتمل أن يكون التّعليق على وصف الفسق من باب عدم المقتضي للقبول معه لا من باب وجود المانع إذا كما يحتمل كون الإسلام مقتضيا والفسق مانعا كذلك يحتمل كون المقتضي هي العدالة الواقعية ولا ظهور للآية في أحد الاحتمالين مع أن مقتضى التعليق وجوب التثبت عن خبر مجهول الحال لكون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة دون المعلومة ودعوى الانصراف إليها ممنوعة كما قرّر في محلّه فتدلّ الآية على اعتبار العلم بعدم الفسق في قبول خبره ودفع احتمال المانع حينئذ بالأصل لا يثبت وجود المقتضي إلاّ على القول بالأصول المثبتة ومن هنا يظهر ضعف الرّابع أيضا وقد تقدّم توضيح الكلام في عدم دلالته على قبول خبر العدل مفهوما وصفا وشرطا وعلّة عند الاستدلال على حجيّة خبر الواحد ومع تسليم جميع ذلك أنّ الأدلّة المتقدّمة ما عدا قوله عليهالسلام المؤمن وحده جماعة إنّما تدلّ على التصديق المخبري دون الخبري كما هو المدّعى أمّا الرّواية المذكورة فإنّها بظاهرها بعد الإغماض عمّا أشرنا إليه إنّما تدلّ على وجوب تنزيل خبر المؤمن الواحد منزلة خبر الجماعة في ترتيب آثار الواقع عليه وهو معنى التصديق الخبري وأمّا ما عداها فتوضيح الكلام فيه أنّ الشّبهة في جواز قبول خبر المخبر ينشأ تارة من احتمال تعمده للكذب وأخرى من احتمال الخطإ في المقدمات المحصلة للاعتقاد وإن علمت مطابقته له وثالثة من احتمال السّهو والنّسيان ورابعة من احتمال وجود المعارض ثمّ إذا صرّح الشّارع بقوله صدق العادل أو الثّقة أو المؤمن أو المسلم فلا ريب أنّ الظّاهر منه وجوب تصديقه من حيث احتمال تعمده للكذب لا من جهة أخرى بل إن أمكن نفي سائر الاحتمالات بالأصول أو بناء العقلاء يعمل بمقتضى الخبر وإلاّ فلا وكذلك إذا قال لا تصدق الفاسق أو غير الثّقة لأنّ ظاهره أيضا عدم جواز تصديقه من حيث احتمال تعمّده للكذب لا من جهة أخرى ومن هنا يظهر أنّ الظاهر من قول الشّارع صدق فلانا هو التصديق المخبري دون الخبري وحينئذ نقول إن غاية ما تدلّ عليه الأدلّة المتقدّمة هو تصديق العادل أو المسلم وغايته الدّلالة على تصديقه من حيث مطابقة خبره لاعتقاده لا بحسب الواقع كما هو المدعى مضافا إلى شهادة التعليق على الوصف والتعليل في آية النّبإ لذلك لأنّ التعليق به مشعر بعليته للحكم ولا ريب في عدم مدخليّة وصف الفسق فيما عدا احتمال تعمد الكذب من الاحتمالات الأخر المتقدّمة وأمّا التعليل فلتساوي خبر العادل والفاسق فيما عدا احتمال تعمد الكذب من الاحتمالات المذكورة فلا يصلح التعليل بخوف الإصابة بجهالة أن يكون علّة لوجوب التثبّت في خبر الفاسق من حيث احتمال ما عدا تعمد الكذب وإلاّ لزم تعليل عدم جواز قبول خبر الفاسق بعلة مشتركة بينه وبين خبر العادل وهو باطل بالبديهة ومن هنا قد ذكرنا في محلّه عدم جواز التمسّك بالآية على حجيّة الإجماع المنقول بخبر العدل لأنّ المانع من قبول إخباره عنه ليس احتمال تعمده للكذب بل احتمال خطائه في حدسه والآية لا تنفيه وكذا قد ذكرنا عدم جواز التمسّك بها لجواز التمسّك بالعمومات قبل الفحص عن مخصّصاتها كما يظهر من صاحب الوافية وشارحه السّيّد الصّدر لأنّ المانع منه هو العلم الإجمالي بالتخصيص المسقط لها عن الظّهور في العموم لا احتمال تعمد الكذب من الرّاوي حتّى ينفي بالآية ولا لحجية فتوى المجتهد لمقلديه كما نقله بعض مشايخنا عن بعض معاصريه لأنّ المانع هنا أيضا هو احتمال الخطإ في الاجتهاد لا احتمال تعمده للكذب في قوله رأيي كذا ومع الإغماض عن جميع ما قدّمناه وتسليم دلالة الأدلّة المتقدّمة على تصديق خبر العادل في الموضوعات كما هو محلّ الكلام لأن الكلام في تصديقه في الأحكام قد تقدّم عند الكلام في حجيّة خبر الواحد نقول إنها معارضة بما دلّ على حلية محتمل الحرمة