حاصل ما ذكره أنّ قاعدة الحمل على ما هو التحقيق وفاقا لظاهر الأكثر من كون اعتبارها من باب الظّهور النوعي يقتضي كون الواقع بيعا صادرا عن بالغ وهو سبب شرعي لارتفاع الحالة السّابقة على العقد المشكوك الصّحة والفساد من كون المبيع ملكا للبائع والثّمن للمشتري وأمّا استصحاب عدم البلوغ فهو يوجب بقاء الحالة السّابقة على العقد من بقاء المبيع في ملك البائع والثمن في ملك المشتري لكن لا من حيث إثبات تحقق ذلك في ضمن كون الواقع بيعا صادرا عن غير بالغ بحكم استصحاب الحالة السّابقة لأنّ عدم الانتقال المرتب في السّابق على عدم البلوغ مرتب عليه من حيث عدم صدور البيع عن البالغ لا من حيث صدوره عن غير بالغ لأنّ عدم المسبّب يستند إلى نقيض السّبب وهو عدم صدور البيع عن بالغ لا إلى ضدّه وهو صدوره عن غير بالغ فالرّجوع إلى الحالة السّابقة والحكم ببقائها في ضمن السّبب الفاسد لا يوجب بقاء الحالة السّابقة لأنّ عدم الانتقال في ضمن تحقق السّبب الفاسد ليس من آثار عدم البلوغ في السّابق كما عرفت حتّى يثبت باستصحابه وإن ترتب على استصحابه آثار أخر فالمتيقن حينئذ استصحاب عدم السّبب الشّرعي بمعنى أن يكون المراد باستصحاب عدم البلوغ استصحاب عدم تحقق السّبب الشّرعي وهو لا ينافي كون الواقع سببا شرعيّا بحكم القاعدة حتّى يحكم بالتعارض بينهما لأنّ الأوّل يقتضي عدم ترتب الأثر لعدم العلم بتحقق السّبب الشّرعي والثّاني يقتضي ترتّبه عليه لدلالته على كون الواقع سببا شرعيّا هذا غاية توضيح ما ذكره المصنف رحمهالله ولكنّك خبير بأنا إن سلمنا كون مقتضى الاستصحاب إثبات كون الواقع بيعا صادرا عن غير بالغ أمكن دعوى حكومة القاعدة عليه أيضا نظير حكومة البينة عليه لأنّ المأخوذ في موضوع الاستصحاب هو الشكّ وإن آل إلى الظنّ بالبقاء بعد ملاحظة الحالة السّابقة على القول باعتباره من باب الظنّ والقاعدة كالبيّنة رافعة لهذا الشكّ ومبنية لكون الواقع بيعا صادرا عن بالغ نعم لو كان الشكّ مأخوذا في موضوعها أيضا لتم الحكم بالمعارضة بينهما وليس كذلك وإن كانت مجعولة كالبينة وغيرها من الأمارات في مقام الجهل بالواقع فتدبّر فإنّه لا يخلو من دقة (قوله) أمّا الأقوال فالصّحة فيها إلخ توضيحه يتوقف على إيراد ما يمكن أن يستند إليه في المقام ثم الإشارة إلى مؤدّاه ومقدار دلالته فنقول إنّه يدلّ على أصالة الصّحة في الأقوال مضافا إلى عموم ما عدا الإجماع والسّيرة من الأدلّة المستدلّ بها على أصل القاعدة خصوص الكتاب والسّنة فمن الأوّل قوله تعالى في سورة البراءة (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) بتقريب أنّ الأذن مجاز عن كونه سريع التّصديق لكل ما يسمع من باب إطلاق العين على الربيئة وأمر الله تعالى النّبي صلىاللهعليهوآله بأن يقول للمنافين يكون ذلك خيرا لهم ثمّ قارنه بتصديقه تعالى وتصديق المؤمنين وغاير بين التصديقين بالباء واللاّم لنكتة وهي كون تصديقه للمؤمنين لانتفاعهم به ولأجل الرّحمة منه عليهالسلام عليهم كما عن تفسير العياشي عن الصّادق عليهالسلام أنّه يصدق المؤمنين لأنّه كان رءوفا رحيما للمؤمنين ولا ريب أنّ تصديقه لله تعالى واجب كذلك تصديقه للمؤمنين بقرينة المقارنة وهو المطلوب ومن السنة ما روي عن القمي في سبب نزول الآية أنّه نمّ منافق على النّبي صلىاللهعليهوآله فأخبره الله تعالى ذلك فأحضره النّبي صلىاللهعليهوآله وسأله فحلف أنّه لم يكن شيء ممّا ينمّ عليه فقبل منه النّبي صلىاللهعليهوآله فأخذ هذا الرّجل بعد ذلك يطعن على النّبي صلىاللهعليهوآله ويقول إنّه يقبل كل ما يسمع أخبره الله تعالى أنّي أنمّ عليه وأنقل أخباره فأخبرته أنّي لم أفعل فقبل فرده الله تعالى بقوله لنبيه قل أذن خير لكم الآية وما رواه في الكافي في الحسن بابن هاشم أنّه كان لإسماعيل بن أبي عبد الله عليهالسلام دنانير أراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن فقال أبو عبد الله عليهالسلام يا بني أما بلغك أنّه يشرب الخمر قال سمعت النّاس يقولون فقال يا بني إنّ الله عزوجل يقول يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين يقول يصدق الله ويصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم وما رواه في الكافي أيضا عن حماد بن بشير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من شرب الخمر بعد أن حرم الله تعالى على لساني فليس بأهل أن يزوج إذا خطب ولا يصدق إذا حدّث ولا يشفع إذا شفّع ولا يؤتمن على أمانة فمن ائتمنه فأكلها وضيّعها فليس للذي ائتمنه على الله عزوجل أن يأجره ولا يخلف عليه وقال أبو عبد الله عليهالسلام إنّي أردت أن أستبضع بضاعة إلى اليمن فأتيت أبا جعفر عليهالسلام فقلت إنّي أريد أن أستبضع بضاعة فلانا فقال لي أما علمت أنّه يشرب الخمر فقلت قد بلغني من المؤمنين أنّهم يقولون ذلك فقال لي صدّقهم فإنّ الله عزوجل قال (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ثمّ قال إنّك إن استبضعته فضيعها فدعوت الله أن يأجرني فقال أي بني ليس لك على الله أن يأجرك ولا يخلف قال قلت له ولم فقال لي إنّ الله عزوجل يقول (لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) فهل تعرف أسفه من شارب الخمر قال ثمّ قال لا يزال العبد في فسحة من الله عزوجل حتّى يشرب الخمر فإذا شربها فرق الله عزوجل عنه سرباله وكان وليّه وأخوه إبليس لعنه الله وسمعه وبصره ويده ورجله يسوقه إلى كل ضلال وتصرفه عن كلّ خير وقد تعجّب صاحب مفتاح الكرامة على ما حكي عنه بعد ذكر هذه الرّواية أو سابقتها عن دعوى بعضهم عدم الدّليل على قبول قول العدل في الموضوعات إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا إشكال في حمل قول المسلم على الصحّة على الوجه الأوّل من الوجهين اللذين أشار إليهما المصنف رحمهالله وكذا على الوجه الأوّل من وجوه الوجه الثّاني أيضا وأمّا على الثّاني منها أعني الصّدق المخبري وهو المطابقة للاعتقاد فلا إشكال فيه أيضا لما ادعاه المصنف رحمهالله من السّيرة القطعيّة بين المسلمين وثمرة الحمل على الصّحة بهذا المعنى أعني المطابقة لاعتقاد المخبر هي ترتيب الآثار الواقعيّة للمخبر به بعد نفي احتمال الخطإ في مقدّمات اعتقاده وكذا احتمال السّهو فيها بالأصل ولكن سنشير إلى ضعف الاعتماد على مثل هذا الأصل وأمّا على الثالث منها أعني الصدق الخبري وهو المطابقة للواقع فهي العمدة في المقام وهو معنى حجيّة خبر المسلم على غيره وهذه المراتب الثلاثة مختلفة من حيث سهولة إثباتها وصعوبتها صعودا ونزولا فبإثبات التّالي منها يثبت المقدم منها بالأولويّة بخلاف العكس وقد عرفت عدم الإشكال في الحمل على الصّحة على الوجه الأوّل والثّاني منها وأمّا على الثّالث فلا دليل عليه أمّا الأدلّة المستدلّ بها على أصل القاعدة فقد تقدّم في كلام المصنف رحمهالله وما علقناه على كلامه ضعف ما عدا الإجماع والسّيرة منها وأشرنا هنا إلى عدم تحققهما في المقام وأمّا ما أشرنا إليه هنا من الآية والرّوايات فيرد عليهما أنّ المراد بتصديق المؤمنين فيها مجرّد التّصديق الصّوري