صحة الإيجاب لأجل الشكّ في تحقق بعض ما يعتبر في صحّته بالمعنى المذكور كما إذا شكّ في وقوعه عن غير بالغ مثلا فمعنى حمله على الصّحة فرضه على وجه لو تعقبه القبول على الوجه المعتبر مع سائر ما يعتبر في ترتّب الأثر من الأمور المتأخرة ترتب عليه الأثر من النّقل والانتقال ففيما إذا شكّ في صحّة الإيجاب مع عدم العلم بتعقبه للقبول أو مع ما يعتبر فيه من الأمور المتأخرة فحمله على الصّحة لا يقضي بتحقق القبول أو مع ما يعتبر من الأمور المتأخرة لعدم توقف صحّته على ذلك كما عرفت وكذا حمل القبول على الصّحة فيما يشكّ فيه لا يقضي بتقدّم الإيجاب عليه وكذا حمل العقد على الصحّة لا يقضي بتحقّق ما يعتبر في ترتب الأثر عليه من الأمور المتأخرة كالقبض في بيع الصّرف والهبة والرّهن بناء على اعتباره في صحّتها وإجازة المالك في الفضولي إذا شكّ في صحّته من جهة أخرى بل إن علم تعقبه للقبول في الأوّل وتقدّم الإيجاب في الثّاني والأمور المتأخرة في الثالث وفي الأوّلين حكم بحصول النّقل والانتقال وإلاّ يحكم بالبطلان فيما عدا الفضولي وبالجواز فيه والمعيار الّذي يمكن التّعويل عليه أن كل فعل يشك في صحّته إن كان بسبب الشكّ في الإخلال ببعض أجزائه أو شروطه المتقدّمة عليه أو المقارنة له أو في وجود بعض موانعه كذلك يحمل على الصّحة بمعنى فرضه كالجامع للأجزاء والشرائط والفاقد للموانع المذكورة وحينئذ إن ترتب عليه أثر شرعيّ بنفسه من النقل والانتقال كما في الإيقاعات فهو وإلا فإن توقف ترتب الأثر التّامّ عليه على انضمام فعل آخر إليه أو شرط متأخّر كالقبض في الصرف لا يحكم بترتب ذلك على حمل المشكوك فيه على الصّحة بل المرتّب عليه حينئذ هو الأثر النّاقص وهو كون الفعل بحيث لو انضم إليه الفعل الآخر مع الشّروط المتأخرة حصل الأثر التامّ لأنّ هذا المقدار هو الّذي تفيده القاعدة فالمقدار الّذي يتلبس الفعل بسببها بلباس الصّحة هو قابلية الاستعداد لترتب الأثر التامّ عليه في بعض الموارد وفعليته في بعض آخر وممّا ذكرناه يظهر أنّه لو اختلف المتبايعان فادعى المشتري كون المبيع ملكا للبائع حتّى يكون العقد أصليّا وادعى البائع كونه ملكا لثالث وأنّه باعه من دون وكالة منه في بيعه حتّى يكون فضوليا موقوفا على الإجازة لا يجوز بمجرّد الحمل على الصحّة الحكم بكون العقد أصليّا لا فضوليّا متعقبا بالإجازة كما حكي عن بعضهم ليترتب عليه انتقال المبيع إلى المشتري لزوما لا متزلزلا إذ مقتضى الحمل على الصّحة ليس كون المبيع ملكا للبائع أو كون البائع وكيلا في البيع لصحّته بدونهما كما في الفضولي ولا كون البيع فضوليّا مع تعقب الإجازة بل لا معنى للحمل على الصّحة هنا لاتفاقهما على صحة العقد واختلافهما إنّما هو في أمر خارج منها وكذا لو اختلفا في السّلف بعد اتفاقهما على حصول القبض في الجملة في حصوله في مجلس العقد حتّى يصحّ أو بعد التفرق حتّى يبطل فأصالة الصّحة لا تقتضي بحصوله قبل التفرّق لأنّه شرط في ترتّب الأثر التّامّ لا في صحّة العقد من حيث هو كما تقدّم وكذا لو اختلفا في تحقّق أصل القبض الصّحيح نعم جل لو علم نفس القبض في الأوّل على الصّحيح منه ترتب على العقد أثره التّام ومن هنا يفرق بينما لو اختلفا في صحّة العقد لأجل الاختلاف في تحقّق القبض في مجلس العقد وبينما لو اختلفا في صحته من جهة الاختلاف في وقوعه بالعربي حيث يعتبر فيه ذلك لتوقّف صحّة العقد من حيث هو على العربيّة فحمله على الصّحيح يقضي بوقوعه بها بخلاف الحمل على الصّحيح على الأوّل كما عرفت وممّا قدّمناه يظهر سقوط ما أورده المحقق القمي رحمهالله في سؤاله وجوابه في مسألة إنكار الزّوجة وكالة العاقد عنها بعد مضي مدّة من زمان العقد وهو في بيت الزّوج على الشّهيد الثّاني وتوضيحه يتوقّف على نقل عين عبارتهما قال الشّهيد الثّاني في شرح قول المحقق في بيع السّلف وإذا اختلفا في القبض هل كان قبل التفرق أو بعده فالقول قول من يدعي الصّحة إنّما قدّم مدعي الصّحة مع أنّها معارضة بأصالة عدم القبض قبل التّفرق لأنّ هذه الأصالة معارضة بأصالة عدم التفرّق قبل القبض المتّفق على وقوعه فيتساقط الأصلان ويحكم باستمرار العقد وفي الحقيقة لا نزاع بينهما في أصل الصّحة وإنّما النّزاع في طروّ المفسد والأصل عدمه وهذا بخلاف ما لو اختلفا في أصل قبض الثّمن فإنّ القول قول منكر القبض وإن تفرقا واستلزم بطلان العقد لأنّه منكر لقبض ماله الذي هو الثمن الثّابت عند المسلم لما قلناه من اتّفاقهما على صحّة العقد في الحالين وإنّما الخلاف في طروّ المفسد وحيث كان الأصل عدم القبض كان المقتضي للفساد قائما وهو التّفرق قبل القبض فلا يقدح فساد العقد به حيث إنّه مرتب على ما هو الأصل مع تحقق الصّحة سابقا وليس هذا من باب الاختلاف في وقوع العقد صحيحا أو فاسدا ومثله ما لو اختلفا في قبض أحد عوضي الصرف قبل التّفرق انتهى وقال المحقق القمي رحمهالله بعد نقل كلامه ظاهره أنّه يقول بكون العقود أسامي للأعم من الصّحيحة ومقتضاه أنّ بعد صدق تحقّق عقد السّلف يحتاج بطلانه إلى دليل والدّليل في الصورة الثانية هو الأصل بخلاف الصّورة الأولى لتعارض الأصلين وتساقطهما وأنت خبير بأن شرط الصّحة هو القبض قبل التفرق وثبوت الصحّة إنّما هو بالعلم بتحقق الشّرط لا عدم العلم بانتفائه ولا ينفع معارضة أصالة عدم التّفرق قبل القبض في إثبات القبض قبل التّفرق وإنّما يتم كلامه لو أريد من طروّ المفسد الإفساد المتأخّر عن الصّحة النفس الأمرية مثل الفسخ قبل التفرّق في المثال الّذي نقلناه عن المحقّق وأمّا لو أريد من ذلك طروّ الحكم بالفساد بإثبات المفسد في أصل العقد وإن كان يحكم عليه بالصّحة ظاهرا حينا مّا لكونه صادرا من المسلم فلا ريب أنّه إذا كان وقوعه من المسلم وتلبسه به دليلا على الحكم بالصّحة فيحتاج بطلانه إلى دليل فكما أنّ ثمة الشكّ في تحقّق الشرط وهو القبض قبل التفرق ولا يوجب الحكم ببطلان فعل المسلم فكذلك هاهنا الشكّ في تحقّق أصل القبض لا يوجب الحكم ببطلان فعل المسلم وإن كان النّظر في أصل تحقّق العقد مع قطع النظر عن فعل المسلم وتلبسه به فالأصل عدم تحقق الشّرط بالنسبة إليهما جميعا فالتحقيق فيه أيضا أن ترك القبض مطلقا أو قبل التفرّق لا يلزم أن يكون معصية إذ قد يكون سهوا أو جهالة أو اضطرارا فلا يبقى إلاّ الغلبة حتّى يحكم بأن الظاهر من المسلم أنّه لا يفعل المعاملة إلا جامعة لشرائط الصّحة وسيجيء عليه الكلام السّابق الّذي ذكرنا أنّه تابع لحصول الظنّ فربّما لا يكون المسلم ممن يحصل به الظنّ أو الوقت لا يقتضيه ثم استشهد لكون نظر الشّهيد إلى حكاية الغلبة بكلام له في تمهيد القواعد في تعارض الأصل والظّاهر ولا حاجة لنا في نقله وأقول إنّ ما أورده المحقق القمي رحمهالله على ظاهر ما استدل به الشّهيد وإن كان متّجها إلا أن الشّهيد مصيب في أصل دعواه من التّفرقة بين الحكم بصحّة العقد فيما لو كان اختلافهما في تقدّم القبض على التفرّق وتأخره عنه وعدمه فيما كان اختلافهما في أصل تحقق القبض