حينئذ فيما كان الشكّ فيه في المانع كاشتراط شرط مفسد ولكنّك خبير بأن هذا المبنى بنفسه ضعيف لعدم الدّليل عليه سيّما مع استمرار السّيرة على الحمل على الصّحة ولو مع رجوع الشّكّ إلى المقتضي وثانيهما أن يكون مستند القاعدة عنده في العقود عموم وجوب الوفاء بالعقود كما تقدّم عند بيان الأدلّة على اعتبار أصل القاعدة والتقريب فيه يتوقف على بيان مقدمتين إحداهما صحّة التمسّك بالعمومات في الشبهات الموضوعيّة لوضوح كون الشبهة في موارد القاعدة في الموضوع والثّانية أن يكون عمومات العقود متنوعة بالنسبة إلى ما يعتبر فيها من الشّروط دون الموانع بأن يقال إنّ الشّارع بعد أن اعتبر في البيع مثلا شروطا لصحّته فذلك يوجب تقيّد موضوع البيع فيكون المحمول عليه الحلية في قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) هو المستجمع لهذه الشّروط فيكون غير الجامع لها خارجا منه موضوعا لا حكما فيكون مقتضاه حينئذ حلية ما جامع الشّرائط مطلقا سواء وجد فيه بعض الموانع أيضا أم لا وما دلّ على عدم ترتب الأثر عليه لأجل وجود بعض الموانع فيه قد خرج من عموم الحلّ فيكون خروج فاقد بعض الشّروط حينئذ من العموم خروجا موضوعيّا وواجد بعض الموانع خروجا حكميّا والسّرّ في ذلك أنّ الشروط من جملة أجزاء المقتضي فاقتضاء البيع مثلا للحليّة لا بدّ أن يكون بعد استجماعه لجميع شرائط الصّحة وحكم الشّارع عليه بالحلية لا بد أن يكون بعد اعتبار هذه الشّروط فيه وحينئذ يختصّ موضوع الحلية بالجامع للشرائط فيكون الفاقد لها خارجا من موضوعها لا محالة بخلاف الموانع لأنّها مانعة من ترتب الأثر بعد صلاحية المؤثر للتأثير فلا يلزم حينئذ اعتبار عدم المانع في موضوع الحكم بل لا بدّ أن يكون ذلك معتبرا في ترتّب الحكم على موضوعه فيكون خروج الواجد للمانع من الحكم لا محالة لا يقال إنّ عدم المانع من جملة الشّرائط لأنا نقول هذا مسامحة وإلاّ فالشّرط ما كان لوجوده تأثير في وجود المشروط فالوجود مأخوذ في مفهومه مع أنّ عدم المانع لا تأثير له في وجود الممنوع منه وإنّما المعتبر مقارنة عدمه مع وجوده والفرق بينهما واضح لكون المقارنة أعمّ من التأثير ووجه توقف صحّة الحمل على الصّحة على هذه المقدّمة أنّه قد ثبت بالمقدّمة الأولى جواز التمسّك بالعمومات مثل عموم الوفاء وحلية البيع في الشبهات الموضوعة سواء كانت الشّبهة في الصّحة ناشئة من الشكّ في وجود بعض شرائط الأركان ككون البائع بالغا عاقلا أو المبيع ملكا أو طاهرا أو من الشكّ في وجود بعض الموانع كاشتراط شرط مفسد ولكن بهذه المقدّمة تثبت التفصيل بين الشّروط والموانع لأنّه إذا كان الشكّ في صحّة العقد ناشئا من الشكّ في وجود بعض الشرائط مع فرض كون وجود الشّرط معتبرا في موضع الحكم العام لا يصح التمسّك بالعموم لأنّه إنّما يجدي بعد إحراز موضوعه فكما أنّه إذا شكّ في كون الواقع بيعا أو غيره لا مسرح للتمسّك بعموم أحلّ الله البيع في إثبات حليته كذلك لا مسرح للتمسّك به مع الشكّ في كون الواقع واجدا للشّرط وعدمه بعد فرض أخذ وجوده في موضوع البيع في الحكم بحليته بخلاف ما لو كان الشكّ في صحّته ناشئا من الشكّ في وجود المانع وعدمه لفرض عدم اعتبار عدمه في موضوع البيع في الحكم بحليته فمع تحقق الموضوع مع الشكّ في وجود المانع يدفع احتمال وجوده بإطلاق الحكم بحلية البيع على ما هو الفرض بالمقدّمة الأولى من صحّة دفع احتمال وجود المانع بالعموم والإطلاق مضافا إلى أصالة عدمه لا يقال إن أصالة عدمه لا تثبت وجود الممنوع منه إلاّ على القول بالأصول المثبتة لأنّا نقول هذا إنّما يتم في الموانع العقلية والعادية وإلاّ فالموانع الشّرعيّة كما أنّ إثباتها بحكم الشّرع وكذا نفيها فإذا ثبت نفيها بحكم الأصل ثبت وجود الممنوع منه لا محالة ومن هنا ربّما يفصل فيما حصل الشكّ في كون اللّباس حريرا وعدمه بين القول بكون الحرير مانعا من صحّة الصّلاة وبين القول بكون عدمه شرطا فيها بالحكم بالصّحة على الأوّل دون الثّاني إذ على الأوّل يدفع وجود المانع بأصالة عدمه بخلافه على الثّاني لعدم إمكان إحراز وجود الشّروط بالأصل كيف والأصل عدم الشّرط وأمّا الموانع العقلية والعادية فحيث لم يكن إثباتها بجعل الشّارع تكون وجودا وعدما تابعة للواقع لا محالة فلا يمكن نفيها بالأصل في موارد احتمال وجودها وهذا غاية ما يمكن من توجيه كلام المحقّق الثّاني ومن التأمّل فيما ذكرناه يظهر أنّ مراده بعدم وجود العقد قبل استكمال أركانه ليس وجوده الشّرعي حتّى يورد عليه بأنه فرع إحراز صحّته ولا وجوده العرفي كي يورد عليه بمنع عدمه حينئذ كما أورده المصنف رحمهالله عليه بل المراد وجوده المعتبر في تعلق الحكم أعني الملحوظ موضوعا للحكم في الأدلّة وهو وجوده العرفي المقرون بالشرائط سواء جامع بعض الموانع أم لا وهو أعمّ من الوجود الشّرعي وأخصّ من الوجود العرفي كما يظهر ممّا أسلفناه ولكن يرد عليه مع ذلك أولا منع صحّة التمسّك بالعمومات في الشبهات الموضوعيّة مطلقا سواء كانت الشّبهة في صحّة العقد ناشئة من الشكّ في فقد شرط أو وجود مانع كما قرّر في محلّه وثانيا أن نفي احتمال المانع بالأصل فاسد جدّا لأنّه إن أريد به أصالة عدم المانع الخاصّ في هذه الواقعة فهو غير مسبوق بالحالة السّابقة لعدم العلم بخلو هذا العقد من هذا المانع الخاص المشكوك فيه في زمان حتى يستصحب عدمه وإن أريد به عدم عروض المانع المطلق لهذه القضيّة ففيه أنّه لا يثبت عدم المانع الخاص المشكوك فيه إلاّ على القول بالأصول المثبتة مع أنّ التفصيل بين الموانع فاسد لأنّ وجود الممنوع منه إن كان مرتبا شرعا على مجرّد عدم المانع فأصالة عدمه تثبت وجوده مطلقا سواء كان المانع شرعيّا أم عقليّا أم عاديّا وإن لم يكن مرتبا عليه كذلك فأصالة عدمه لا تجدي في إثبات وجود الممنوع منه إلاّ على القول بالأصول المثبتة من دون فرق بين الموانع وما تقدّم من عدم إمكان دفع احتمال وجود المانع العقلي أو الشّرعي بالأصل على إطلاقه ممنوع كما يظهر مما عرفت هذا كلّه بحسب الكبرى وأمّا بحسب الصّغرى أعني بيان الميزان في الفرق بين الشّروط والموانع فاعلم أنّ الشّرط ما كان له دخل في وجود المشروط وإليه يرجع تعريفهم له بأنّه ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجوده فأشاروا بالفقرة الأولى إلى مدخليّة وجوده في وجوده وبالثّانية إلى الاحتراز عن العلّة التّامّة ولا يلزم النقض على طرده بعدم المانع حيث يلزم من عدم عدم المانع عدم الممنوع منه ولا يلزم من نفس عدمه وجود الممنوع منه فيكون في معنى الشّرط إذ المستلزم فيه لعدم الممنوع منه هو عدم عدم الشّرط أعني وجوده ولعدمه عدمه لا وجوده والأمر في الشّرط على عكسه مع أنّه لا تأثير لعدم المانع في وجود الممنوع منه وتحقّقه كما تقدّم والمانع ما كان صادما في وجود الممنوع منه ففي الشّرعيّات يكون صادما في حصول الامتثال وترتب الأثر على المأتي به فيكون مصادما في الصحّة بمعنييها والأمر ربّما يتردّد بين كون وجود شيء مانعا وعدمه شرطا وبالعكس والأوّل كالصّلاة في الحرير فإنّه ربّما يتردد بين كون وجوده مانعا كما هو الظّاهر وبين كون عدمه شرطا