مقتضية لصدورهما على حسب ما رتب عليهما الشّارع من الآثار هذا إن أراد إثبات أصالة الصّحة في جميع الأشياء من الأعراض والجواهر بحكم الاستصحاب وإن أراد إثباتها بحكم الغلبة في أفراد أنواعها إلحاقا للمشكوك فيه بالأعمّ الأغلب كما يشعر به قوله ونحو ما غلبت عليه طبيعتها ففيه مع تسليم الغلبة أنّه لا اعتبار بها على القول بالظنون الخاصّة سيّما في الموضوعات الخارجة الّتي لم يعمل بالظنون المطلقة فيها أربابها وأحسن الوجوه الّتي يمكن حمل كلامه عليه أنّ ذلك منه مبنيّ على الأدلّة المختلفة بحسب اختلاف الموارد فمستند الأصل المذكور في الأعيان وعوارضها القائمة بها ما قدّمناه من الاستصحاب وفي أفعال المسلمين وأقوالهم ما أشار إليه المصنف رحمهالله من الآيات والأخبار وفي أفعال الكفار وأقوالهم ما دلّ على تقريرهم على مذهبهم وهكذا وقد ذكر في وجوه الفرق بين حال المسلم والكافر أن أقوال الكافر وأفعاله تحمل على الصّحة على مذهبه وليس مقصوده إثبات الكليّة بدليل واحد فتأمّل جيّدا وثانيهما أن يقال إنّ الأصل في أفعال المسلمين وأقوالهم هي الصّحة لأنّ مقتضى التديّن بدين والتسلم لأحكام شريعة هو بناء هذا المتديّن في جميع أقواله وأفعاله على ما اقتضاه هذا الدّين لأنّه مقتضى التديّن به والتسلم له فيكون نفس التدين مقتضيا لذلك وتكون مخالفته ناشئة من الدّواعي الخارجة وفي موارد الشكّ يدفع احتمال وجود الدّواعي الخارجة بالأصل فيكون الأصل في جميع أفعال المسلمين وأقوالهم صدورها على طبق شرع الإسلام ولعله لذا جنح ابن جنيد والشيخ فيما حكي عنهما إلى أنّ الأصل في المؤمن العدالة ويرد عليه أولا منع كون التديّن بدين مقتضيا لصدور أفعال المتدين بهذا الدّين وأقواله على طبق هذا الدّين لأنّ غاية ما يقتضيه التدين اعتقاد صدق هذا الدّين وحقية ما جاء به صاحب الدّين وأمّا اقتضاؤه لبناء المتدين أفعاله وأقواله على طبق هذا الدّين بحيث يكون ذلك هو الدّاعي والباعث فيهما فلا نعم له مدخليّة في ذلك في الجملة لا بحيث يكون مقتضيا تامّا بل التحقيق أنّ صدور الأفعال والأقوال سيّما العاديات منها إنّما هو عن الدّواعي النّفسانيّة بحسب ما يلاحظ فيها من المصالح والمفاسد الدّنيوية المرتبة عليهما ورفع اليد عن المنافع الدّنيويّة والإعراض عنها في بعض الموارد لأجل الفرار عن ارتكاب المحرّم إنّما هو من قبيل القهر والغلبة للنفس ومنعها من مشتهياتها من جلب المنافع ودفع المضارّ وإن استلزم الاقتحام في المهالك الأخرويّة نعم ربّما يوجد أوحدي من الناس يكون بناؤه في جميع أفعاله وأقواله على ملاحظة أحكام الشّرع بحيث يكون ذلك طبيعة ثانية له تبعث على صدور الأفعال والأقوال عنه على مقتضاها وثانيا مع التسليم أن دفع احتمال المانع بالأصل لا يثبت وجود المقتضي على وجه يعمل عمله إلاّ على القول بالأصول المثبتة لأن أحدا إذا رمى سهما بحيث علمنا بأنّه لو لا الحائل لقتل زيدا فكما أنّ أصالة عدم الحائل لا تثبت القتل هنا ليطالب الرّامي بدمه كذلك فيما نحن فيه لأنّ أصالة عدم داعي صدور العقد فاسدا لا تثبت صحّته نعم ربّما يفرق بين الموانع الشّرعية وغيرها كما يظهر من الكركي وصاحب الجواهر وبعض آخر بأن المانع إن كان شرعيّا يمكن إحراز المقتضي بأصالة عدم المانع إذ كما أنّ ثبوت المانع الشّرعي بحسب الشّرع كذلك ارتفاعه فإذا ارتفع بحكم الأصل ثبت وجود المقتضي لا محالة بخلاف ما لو كان المانع عقليّا أو عاديا كما في مثال الرّمي فإن ثبوت الموانع العقلية والعادية وارتفاعها إنّما هو بحسب العقل والعادة فإن كان هنا حكم عقلي أو عاديّ حكم به وإلاّ فلا كما في مباحث الألفاظ إذا شكّ في وجود القرينة أو نقل اللفظ عن معنى إلى آخر أو ورود الكلام تقية أو سهوا أو نسيانا فإنّ هذه كلّها موانع من حمل الكلام على حقيقته أو على المنقول عنه وعن إرادة المتكلّم بيان الواقع وقد استقرّ بناء العقلاء على اعتبار الاستصحاب هنا فبأصالة عدم المانع يحكم بإرادة الحقيقة وبيان الواقع بخلاف ما لو قلنا باعتباره من باب الأخبار ولما ذكرناه قد فرقوا بين كون الحرير مانعا من صحّة الصّلاة وبين كون عدمه شرطا لها لأنّه إذا شكّ في كون لباس المصلّي حريرا وعدمه فعلى الأوّل يحكم بصحّة صلاته لأصالة عدم المانع لما عرفت من كون أصالة عدم المانع الشّرعي مثبتة لوجود المقتضي بخلافه على الثّاني إذ لا بدّ من إحراز وجود الشّرط في الحكم بالصّحة كيف لا والأصل عدمه ومثله الكلام في الماء الّذي لم تعلم كريته ولا قلّته سابقا كالمخلوق في السّاعة إذا لاقى نجسا لأنّا إن قلنا بكون الكريّة عاصما ومانعا من الانفعال بالملاقاة يحكم بتنجّسه بأصالة عدم المانع مع وجود المقتضي له وهي الملاقاة وإن قلنا بكون القلّة شرطا في الانفعال فلا بدّ في الحكم بتنجّسه من إحراز شرطه والتحقيق عدم الفرق بين الموانع بل إن كان الحكم في الأدلّة مرتبا على مجرّد عدم المانع أمكن إثباته بأصالة عدمه وإن كان مرتبا على نفس الممنوع منه كترتب وجوب القصاص على عنوان القتل في مثال الرّمي لا يمكن إثباته بأصالة عدم المانع حينئذ إلاّ على القول بالأصول المثبتة من دون فرق بين الموانع نعم يتم ذلك لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب بناء العقلاء لأنّ لازمه القول باعتبار الأصول المثبتة كما قرّره المصنف رحمهالله في محلّه ومن هنا يظهر ضعف الفرق بين كون الحرير مانعا أو عدمه شرطا مع أنّ أصالة عدم المانع في المثال فرع العلم بعدمه في السّابق حتّى يصحّ استصحابه اللهمّ إلاّ أن يتشبث بأصالة عدم المانع في هذا المورد مطلقا وهي مستلزمة لعدم كون هذا اللّباس أيضا مانعا لاستلزام انتفاء الكلّي انتفاء أفراده ولكنّه إنّما يتم على القول بالأصول المثبتة وأمّا ما ذكر من كون ثبوت الموانع العقلية والعادية وارتفاعها بحسب حكم العقل والعادة ففيه أنّ المقصود من أصالة عدم المانع العقلي أو العادي ليس إثبات عدمها في الواقع حتّى يدعى عدم إثبات الأصل لذلك بل المقصود منها إثبات الآثار الشّرعية المرتبة على عدمهما فإن كان الحكم مرتّبا على عدمهما فهو يثبت بنفيه بالأصل وإن كان مرتبا على نفس الممنوع منه فهو لا يثبته إلاّ على القول بالأصول المثبتة على ما عرفت وثالثا مع التسليم أن التديّن بدين إنّما يقتضي صدور أفعال المتديّن وأقواله على طبق هذا الدّين إذا كان عارفا بأحكامه لوضوح عدم اقتضائه لذلك بالنسبة إلى الجاهل فضلا عن المعتقد بخلافها وكلمات العلماء في الحمل على الصّحة تعم العالم والجاهل بل المعتقد بالخلاف أيضا ولذا تحمل المعاملة الصّادرة عن شخص على الصّحة وإن علمنا بجهله بأكثر أحكامها أو كان معتقدا بحلية الميتة أو حصول الطهارة بالدبغ أو نحو ذلك فبمجرّد احتمال موافقة المعاملة للواقع يحكم بصحّتها ويكون اللّحم أو الجلد المبيع ملكا للمشتري وربّما يستدل على القاعدة أيضا بوجهين آخرين سوى ما أشار إليه المصنف رحمهالله أحدهما دليل الانسداد لأنّه يفيد اعتبار الظنّ حيث تمت مقدماته ولا يختص بالأحكام فيقال في المقام أيضا إنّه قد علم اعتبار القاعدة في الجملة