كما لا يخفى وأمّا الثّاني فالظاهر جريان القاعدة بالنسبة إلى الجزء الّذي حصل التّجاوز عن محلّ نسيانه لصدق التجاوز عن محلّه ولا يلزم هنا ما يلزم في القسم الأوّل من استلزام العود إلى الجزء الذي فرض بقاء محلّ شكه لتحقّق بقاء محلّ الجزء الآخر والعلم الإجمالي بترك أحد الجزءين غير مانع من جريان القاعدة لعدم ترتب خطاب شرعيّ عليه لأنّه لو فرض العلم بكون المتروك هو الجزء الّذي فرض التجاوز عن محلّ نسيانه لا يجب تداركه فمع كون المتروك هو ذلك لا يحصل العلم بتوجّه خطاب وجوب تدارك ما علم تركه إجمالا فلا مانع من مخالفته بإجراء القاعدة نعم لو كان الجزء الّذي تحقق التّجاوز عن محلّ نسيانه جزءا ركنيّا فمن العلم إجمالا بكون المتروك هو هذا الجزء الرّكني المرتّب عليه بطلان الصّلاة أو الجزء الّذي بقي محلّ شكّه المرتّب عليه وجوب تداركه يحصل العلم بتوجّه خطاب إجمالي إليه وهو الخطاب المردّد بين وجوب إعادة الصّلاة وبين وجوب تدارك ما بقي محلّ شكّه فلا تجوز مخالفة هذا العلم الإجمالي كما لا تجوز مخالفته لو ترتب عليه خطاب تفصيلي كما في الشبهة المحصورة اللهمّ إلاّ أن يمنع اعتباره هنا أيضا على نحو ما عرفته في الوجه الثّاني من القسم الأوّل من تعين أحد طرفي العلم الإجمالي ومن هنا يظهر الكلام فيما لو كان الجزءان معا ركنيين كما لو شكّ في حال النّهوض للقيام للرّكعة الثّانية مثلا في ترك السّجدتين أو الرّكوع والله أعلم الحادي عشر أنّه لو دار الأمر في مورد القاعدة بين الأقلّ والأكثر بأن شكّ بعد الدّخول في السّورة في ترك الفاتحة كلا أو بعضا بأن تردّد المتروك بين النّصف الأخير منها وبين تمامها ففي جريان القاعدة هنا وجهان من انحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي فلا يلتفت إلى شكّه لتحقّق التّجاوز عن محلّ المشكوك فيه بالدّخول في السّورة فيكتفي بتدارك ما علم تركه تفصيلا وهو النّصف الأخير من الفاتحة ومن أنّه يجب العود إلى تدارك النّصف الأخير منها لفرض العلم بتركه تفصيلا ومع العود إليه لا يصدق التجاوز عن محلّه المشكوك فيه وهو النّصف الأوّل فيجب العود إليه أيضا وهذا لا يخلو من قوّة فتأمل الثّاني عشر أنّه إذا نزل فعل مركّب من أجزاء عديدة منزلة فعل واحد بحيث لا تجري القاعدة عند الشكّ في بعض أجزائه قبل الدّخول في فعل آخر كالوضوء على ما أوضحه المصنف رحمهالله فإذا شكّ في بعض شروطه كما إذا شكّ بعد الدّخول في غسل اليد اليمنى في كون غسل الوجه بالماء المباح أو المغصوب ففي جريان القاعدة فيه وجهان من كون الشّروط تابعة للأجزاء لأنّها الأصل في التركيب وظاهر تنزيل الأجزاء منزلة فعل واحد هو تنزيلها بمنزلته مع جميع توابعها ولواحقها فتكون الشّروط حينئذ في حكم الأجزاء فلا تجري فيها القاعدة إلاّ إذا حصل الشكّ فيها بعد الدّخول في فعل آخر غير الوضوء كالأجزاء ومن أنّ المتيقّن من تنزيل المركّب منزلة فعل واحد تنزيله بحسب أجزائه فتبقى الشّروط تحت عموم القاعدة سيّما إذا كان خروج أجزاء الوضوء من عموم القاعدة من باب التخصيص دون التخصّص بتنزيلها منزلة فعل واحد على ما عرفت إذ مع خروج الأجزاء عن حكم القاعدة لا دليل على خروج شرائطها أيضا والله أعلم (قوله) على بيان مدركها من الأدلّة الأربعة إلخ ربّما يستدل على القاعدة بالأصل وهو يقرّر بوجهين أحدهما ما ذكر الشيخ الأجلّ فقيه عصره الشيخ جعفر قدسسره قال في مقدمات كشف الغطاء إنّ الأصل فيما خلق الله تعالى من الأعيان من عرض وجوهر حيوان وغير حيوان صحّته وكذا ما أوجده الإنسان البالغ العاقل من أقوال أو أفعال فيبنى فيها على وقوعها على نحو ما خلقت له وعلى وفق الطبيعة الّتي اتحدت به من مسلم مؤمن أو مخالف أو كافر كتابي أو غير كتابي فيبنى إخباره ودعاويه على الصّدق وأفعاله وعقوده وإيقاعاته على الصّحة حتّى يقوم شاهد على الخلاف إلاّ أن يكون في مقابله خصم ولا سيّما ما يتعلق بالمقاصد ونحوها ولا تتعلق به مشاهدة المشاهد فإنّه يصدق عليه ويجري الحكم على نحو الدّعوى فيه فمن ادعى القصد بإشارته دون العبث أو قصدا خاصا لعبادة خاصّة أو معاملة كذلك أو ادّعى العجز عن النّطق بألفاظ العبادات أو المعاملات أو عن الإتيان بها على وفق العربيّة فيما يشترط فيه كالطّلاق أو العجز عن القيام أو تحصيل الماء في صلاة النّيابة بطريق المعاوضة أو عن وطي المرأة بعد أربعة أشهر أو قصد النيابة أو الأصالة أو الإحياء أو الحيازة إلى غير ذلك فليس عليه سوى اليمين وتفصيل الحال أنّ الأصل في جميع الكائنات من جمادات ونباتات أو حيوانات أو عقود أو إيقاعات أو غيرها من إنشاءات أو إخبارات أن يكون على نحو ما غلبت عليه حقيقتها من التّمام في الذات وعدم النقص في الصّفات على طور ما وضعت له مبانيها وعلى وجه يترتب آثارها فيها على معانيها من صدق الأقوال وترتّب الآثار على الأفعال ثم فرق بين حال المسلم والكافر بوجوه أربعة يطول الكلام بنقلها ولم أجد أحدا قبله عمم القاعدة على نحو ما عممها ولازمه دعوى أصالة الحجّية في خبر الفاسق وأن نافي حجيّته يحتاج إلى إقامة البرهان عليه وأنت خبير بأنّه لم يساعده دليل ولا اقتضاه برهان من عقل أو نقل لأنّ غاية ما يمكن أن يقال في الأعيان أنها بحسب جبلتها ومقتضى نوعها أن تكون صحيحة ما لم يعرض لها ما يخرجها من مقتضى طبيعتها ووضع نوعها فإنّ الزّيادة والنقصان وسائر العوارض الخارجة من مقتضى الطّبيعة النوعية العارضة للإنسان والحيوان وسائر الأعيان من النباتات والجمادات إنّما هي من قبيل العوارض المانعة من عمل الطبائع مقتضاها فإذا شكّ خروج شيء من مقتضى نوعها فأصالة عدم عروض ما يخرجه من مقتضى الطّبيعة النّوعيّة تقتضي الحكم بصحّته ولذا ترى الفقهاء يكتفون بأصالة الصّحة عن الاختبار في الأشياء الّتي يفتقر في بيعها إلى اختبارها ممّا يشكل اختيارها حين البيع كالبيضة وما يشابهها من الفواكه ونحوها وغاية الأمر أنّه بعد ظهور الفساد بالكليّة بعد العقد يحكم بفساده وفي الجملة بأن لم يخرج بفساده من المالية يحكم بخيار الفسخ للمشتري ولكن ما لم يظهر فساده يحكم بصحّته وصحّة العقد في الظاهر بمقتضى الأصل المذكور ولكنك خبير بأن ذلك وإن تم في الأعيان إلاّ أنّه لا يتأتى في الأفعال والأقوال لأنّ طبيعة القول والفعل ليست ممّا يقتضي صدورهما عن الفاعل بحيث يترتب عليهما آثارهما من الصّدق في الأقوال والآثار الشّرعية في الأفعال فإنا لم نجد فرقا بين صحيح العقد وفاسده من حيث اقتضاء طبيعة الألفاظ صدورها على وجه الصّحة بحيث يترتب عليها الآثار الشرعيّة وكذا بين فعل الصّلاة وأكل الرّبا من حيث كون مقتضى طبيعة الفعل كونه صادرا على وجه الصّحة إذ لا وضع ولا توظيف في الأقوال والأفعال بحسب طبيعتهما النّوعيّة حتّى يقتضي صدورهما على هذا الوضع والتوظيف كما هو ظاهر كلامه بل الشّارع إنّما لاحظهما ورتب عليهما أحكاما شرعيّة على حسب ما لاحظ فيهما من المصالح والمفاسد لا أنّ طبيعتهما