أن الأقرب كون اعتبار الاستصحاب من باب التعبد في مورد الشكّ واعتبارها من باب الظنّ النّوعي لما عرفت أنّ منشأها الغلبة وقد أمضاها الشّارع فتكون حاكمة عليه نظير حكومة الأدلّة الاجتهاديّة على الأصول وثانيهما أنّه لو لا ما ذكرنا لزم إلغاؤها لوجود الاستصحاب على خلافها في موردها غالبا إذ الأصل عدم انتقال ما في يده إليه وإنّما قلنا غالبا إذ قد يتعارض الاستصحاب في موردها مع مثله فتبقى القاعدة سليمة من المعارض كما إذا علم إجمالا بحيازة أحد شخصين شيئا من المباحات وكان في يد أحدهما فبعد تعارض أصالة عدم حصول الملك لذي اليد بأصالة عدم حصوله لصاحبه تبقى القاعدة سليمة من المعارض ويبعد حمل الأخبار المتكاثرة المتقدّمة على بيان حكم مثل هذه الصّورة النّادرة فإن قلت إنّ غاية ما ذكرت من قضية لغوية القاعدة لو لا تقدّمها على الاستصحاب هو تقدمها على الاستصحاب العدم خاصّة وقد يعارضها الاستصحاب الوجودي الموافق لاستصحاب العدم كما إذا علمنا بكون شيء ملكا لزيد ثم رأيناه في يد عمرو ولم نعلم بكون يده صحيحة أو باطلة لأنّ استصحاب بقاء ملك زيد الموافق لاستصحاب عدم انتقاله إلى عمرو يعارض القاعدة قلت دليل اللغويّة لا يفرّق فيه بين الاستصحاب الوجودي والعدمي إذ مرجعه إلى دعوى أنّ اعتبار اليد وترتيب آثار الملك عليها على خلاف الأصل فلو لا تقدمها عليه لزم كونها لغوا سواء كان هذا الأصل هو الاستصحاب الوجودي أو العدمي مع أن تقدمها على العدمي في المثال يستلزم تقدمها على الوجودي أيضا لفرض توافق مودّاهما مضافا إلى ما في الدّليل الأوّل من الكفاية لحكومة الأمارات الاجتهاديّة على الأصول مطلقا سواء كانت وجودية أم عدمية فإن قلت إن كانت القاعدة من الأمارات الاجتهادية فما وجه تقديم البينة عليها قلت أولا أنّك قد عرفت أنّ اعتبار اليد من باب الغلبة وإمضاء الشارع لها والغلبة إنّما تفيد الظنّ بإلحاق المشكوك فيه بالغالب كما صرّح به المصنف رحمهالله في بعض كلماته حيث لا أمارة على خلافها فإفادتها للظنّ مقيّدة بذلك وثانيا أنّ اليد وإن قلنا باعتبارها من باب الظنّ النّوعي إلاّ أنّها معتبرة في مورد الشكّ نظير الاستصحاب على القول باعتباره كذلك والبينة وإن كانت معتبرة في مقام الجهل بالواقع أيضا إلاّ أنّ الجهل ليس مأخوذا في موضوعها بل هي معتبرة في مقام الجهل من حيث تنزيل مودّاها منزلة الواقع لا من حيث ترتيب آثار الواقع على الموضوع المجهول الّذي قامت عليه البيّنة من حيث كونه مجهولا فالجهل مأخوذ في موضوع اليد من حيث كونه جزءا منه وإن آل أمرها إلى الظنّ بالواقع وفي البينة من باب المقارنة الاتفاقيّة فالبينة من حيث هي ناظرة إلى الواقع وكاشفة عنه واليد كاشفة عن الواقع في مورد الجهل فتكون حاكمة عليها نظير حكومتها على الاستصحاب على القول باعتباره من باب الظنّ النّوعي فإن قلت فما وجه تقديم جماعة كالشيخ والفاضلين اليد القديمة على الحادثة كما لو ادعى زيد ما في يد عمرو وعلمنا بكونه لزيد سابقا وليس ذلك إلا لتقديم الاستصحاب على اليد الحادثة قلت أولا نمنع ذلك لما عرفت من إفادة اليد للملك وحكومتها على الاستصحاب ولا يضرّ في ذلك مخالفة جماعة بعد ما ساعدنا الدّليل نعم لو علمنا باليد القديمة بإقرار ذي اليد الحادثة بذلك تقدم فيه اليد القديمة وذلك لأنّ العلم باليد القديمة تارة يحصل بإقراره وأخرى بقيام البيّنة عليه وثالثة بكون الحاكم عالما بالواقعة ففي الأوّل يقدم قول ذي اليد القديمة لأنّ ذي اليد الحادثة بإقراره بكون ما في يده ملكا لذي اليد القديمة في السّابق يصير مدعيا لانتقال ما في يده منه إليه بسبب شرعي فهو بذلك يصير مدّعيا وذو اليد القديمة منكرا فتقديم قوله حينئذ لقاعدة البينة على المدّعي واليمين على من أنكر لا لتقديم الاستصحاب على اليد وفي الأخيرين تقديم قول ذي اليد الحادثة لأنّ قيام البيّنة على ما ذكر أو علم الحاكم به لا يستلزم دعوى ذي اليد الحادثة لانتقال ما في يده منه إليه حتّى يصير بذلك مدعيا وهو منكرا فتبقى اليد على حالها من إفادة الملك فيقدم قوله حينئذ لذلك وثانيا أن المقصود في المقام بيان حكم تعارضهما في غير باب القضاء وقطع الخصومات فإذا كان شيء في يد زيد وعلمنا بكونه في يد عمرو في السّابق من دون منازع لزيد في ذلك يحكم بكونه له بلا خلاف وخلاف الجماعة فيه مع وجود المنازع لا ينافي نفي الخلاف عمّا ذكرناه ومن هنا يظهر أن خلافهم في المقام لا يصدم فيما ادعيناه من الإجماع في أوّل المسألة فإن قلت إنّهم قد أجمعوا على جواز كون الاستصحاب مستندا لشهادة البيّنة بخلاف اليد فإذا علمنا بكون شيء ملكا لزيد في السّابق جاز لنا أن نشهد بكونه له الآن بخلاف ما لو علمنا بكونه في يده في السّابق من دون علم بكونه ملكا له فلا يجوز لنا حينئذ أن نشهد به له كما سنشير إليه فلو كان الاستصحاب ضعيفا بالنسبة إليها على ما ذكرت من تقدمها عليه عند المعارضة فكيف صحّ كون الضعيف مستندا للشهادة دون القوي وأيضا قد حكموا بتقديم البيّنة على اليد سواء شهدت بالملك السّابق أو بالملك الفعلي استنادا إلى الاستصحاب سواء علم الحاكم بذلك أم لا قلت إن الوجه في تجويزهم لكون الاستصحاب مستندا للشّهادة هو لزوم إبطال الحقوق لولاه إذ لا سبيل إلى الشّهادة الفعلية غالبا إلاّ الاستصحاب فإذا علم بدين لزيد على عمرو أو بأمانة له عنده أو بكون هذا الملك له دونه إلى غير ذلك يحتمل الإبراء في الأوّل والأداء من دون اطلاع الشّاهد في الثّاني والنقل بأحد الأسباب النّاقلة في الثالث فلا سبيل إلى الشّهادة الفعلية إلاّ الاستصحاب ولا دليل على كون اليد السّابقة مستندا للشهادة الفعلية ولا غرو في تجويز كون الضعيف مستندا لها لوجود حكمة داعية إليه دون القوي بل يصير الضّعيف بذلك قويا والقوي ضعيفا وأمّا ما ذكرته من تقديم البينة المستندة إلى الاستصحاب على نفس اليد الموجودة ففيه أولا أن ذلك قد ثبت بالإجماع تعبدا وثانيا أنّ هذا ليس من باب تقديم إحدى الأمارتين على الأخرى عند التعارض حتّى يستلزم كون الاستصحاب أقوى من اليد بل ذلك لأجل عدم الاعتبار باليد هنا أصلا وتوضيحه أن الأيدي على أقسام منها يد الإنكار بمعنى أن يكون شيء في يد زيد مثلا وادّعاه عمرو وأنكر زيد عليه ذلك ولم تعلم اليد السّابقة على يد زيد أو علمت وكان ذو اليد السّابقة غير عمرو وهو ساكت عن الدّعوى ولا إشكال بل لا خلاف في الحكم به لزيد بمقتضى يده ما لم يقم عمرو بينة على دعواه ومنها يد من لا منازع له فيما في يده وإن علمت اليد السّابقة وهذه أيضا كالسّابقة في نفي الإشكال والخلاف في الحكم بما في يده له بل لا دخل في ذلك لليد لأن الحكم به له لأجل أنّ الدّعوى الّتي لا معارض لها مسموعة اتّفاقا وهذا باب واسع في الفقه يأتي في باب الوكالة والأنكحة وغيرهما فإذا ادعى أحد كونه وكيلا في البيع أو الشّراء أو المرأة خلوها من الزّوج وهكذا تسمع دعواه