في محلّه وأمّا الثالث فإن عدم تفرقة العرف بين قوله الماء المتغير نجس وقوله الماء ينجس إذا تغير في فهم كون الموضوع أعمّ من واجد الوصف والفاقد له على التقديرين وكون التغيّر سبب حدوث الحكم لا داخلا في الموضوع على الأوّل دون الثّاني لعلّه مبني على المسامحة في إطلاق الواجد على الفاقد لا من جهة فهم عموم الموضوع حقيقة وقد تقدم عدم الاعتداد بهذه المسامحة العرفية ولعلّك لو نبّهتهم على جهة الفرق بين الكلامين وكون التغير قيدا للموضوع في أحدهما وللمحمول في الآخر اعترفوا بخطائهم في دعوى عموم الموضوع ومع ذلك كلّه هذه الطريقة هي المعروفة بينهم لما عرفت من عملهم بالاستصحاب في موارد كثيرة لا يتم العمل به فيها إلاّ بالقول باعتبار العرف وقد اضطربت كلماتهم في العمل بالاستصحاب فيما يعرض تغير في الموضوع في الجملة فقد نقل المصنف رحمهالله عن الفاضلين في المعتبر والمنتهى الحكم بنجاسة الأعيان النجسة بعد الاستحالة كالعذرة والميتة بعد استحالتهما ترابا وقال الشّهيد في الذكرى لو استحالت العين النجسة كالعذرة والميتة ترابا يحكم بطهارته لقول النّبي صلىاللهعليهوآله التراب طهور ولو صار ملحا أمكن ذلك لزوال الاسم والصّورة وقال العلاّمة في القواعد وفي تطهير الكلب والخنزير إذا وقعا في المملحة فصارا ملحا والعذرة امتزجت بالتراب وتقادم عهدها حتّى استحالت ترابا نظر وقال ولده فخر الدّين في الإيضاح ومنشأ النّظر أنّ العين وهي الجسميّة الخاصة موجودة وإنما تغيّرت الصّفات فتبقى النجاسة لأنّ النجاسة ذاتيّة وأنّ النجاسة حكم معلق بذات الكلب إمّا باعتبار صفاته النّوعيّة وإمّا باعتبار الأعراض الخاصّة اللاحقة للجواهر المتساوية مع القول بعدم استغناء الباقي على كلا التقديرين فقد زالت علّة النجاسة فيزول المعلول انتهى وتردّد فيه الأردبيلي أيضا في شرح الإرشاد وفصّل جماعة كما نقله المصنف رحمهالله بين النجس والمتنجس وأوّل من نبّه عليه الفاضل الهندي فيما أعلم وقال المحقق القمي رحمهالله بعد أن حكم بكون المعيار في اختلاف الأحكام على تبدل الحقائق عرفا لا محض تغير الأسماء والحاصل أنّ الحقائق المتخالفة عرفا كالعذرة والتراب والرّماد لها أحكام مستقلّة برأسها سواء كانت متوافقة في الحكم أو متخالفة وأمّا مسحوق ماهية كالطحين للحنطة أو منضوجها كاللّحم المطبوخ والخبز ونحو ذلك فلا يتبدل بذلك حقيقتهما عرفا كما لا يتبدل حقيقة أيضا فما ثبت تبدّل حقيقته عرفا فينتفي فيه حكم الاستصحاب لثبوت التعارض حينئذ بينما دلّ على حكم حقيقته المستحال إليه وما يستصحب من حكم المستحيل فعموم ما دلّ على طهارة التّراب أو الدود أو الملح وحليتهما تعارض استصحاب النّجاسة وسنبيّن أنّ الاستصحاب من حيث هو لا يعارض الدّليل من حيث هو ثمّ ذكر نظير هذا الكلام في الانتقال مثل انتقال دم الإنسان إلى بطن القمّل والبرغوث والبق وقال وهاهنا وإن كان تبدل الحقيقة في غاية الخفاء سيّما في أوّل مص هذه الحيوانات للدم خصوصا في العلق ولكن إطلاق دم الحيوان الغير ذي النفس على هذا الدّم مع عدم تصور دم لأغلب هذه الحيوانات إلا ما في بطنها من جهة المصّ يوجب الحكم بالطهارة ففي الحقيقة يرجع الكلام في أمثال ذلك إلى وجود المعارض لا عدم إمكان جريان الاستصحاب ولذلك توقف بعض المتأخرين في إفادة تغير الموضوع في ترك العمل بالاستصحاب وتأمّل في كون تغير الموضوع قاطعا للاستصحاب انتهى وادعى صاحب الفصول أنّه لو لا النّص الدّال على طهارة الخمر إذا انقلب خلاّ لحكمنا بنجاسته للاستصحاب وهذه الكلمات كما ترى مختلفة في هذا المضمار حيث حكم بعضهم بالطّهارة بالاستحالة وآخر بالنجاسة وثالث تردّد فيه وبعضهم جعل الموضوع هو الأجسام مطردة عن الأوصاف المقارنة لها وآخر هي مع الأوصاف وثالث جعل المدار في الحكم بالطهارة على تبدّل الحقيقة عرفا واختلف الحاكمون بها في منشإ حكمهم ومنشأ جميع ذلك هو عدم معرفة أنّ موضوع الحكم قبل الاستحالة أيّ شيء هو وممّا قدّمناه يظهر أن كون الاستحالة من المطهّرات غير مسلّم فيما بينهم فإن قلت إنّهم قد تسالموا على كون النار مطهّرة لما أحالته وليس ذلك إلا للاستحالة فكيف يجتمع هذا التسالم مع ذلك الخلاف قلت إنّ تطهير النار لما أحالته لعلّه لأجل خصوصيّة فيها لا لأجل مجرّد الاستحالة من حيث هي ثم إنّه يظهر من المحقّق القمي رحمهالله جريان الاستصحاب مع حصول الاستحالة حيث حكم بالتعارض بينه وبين دليل المستحيل إليه ولعلّه أيضا ظاهر الشّهيد حيث حكم بطهارة المستحال إليه بقوله صلىاللهعليهوآله التّراب طهور لا بقاعدة الطّهارة فظاهره أنّه لو لا الإطلاق لكان المتجه استصحاب النجاسة ويرد عليهما منع إجداء مثل هذا الإطلاق على تقدير تسليم جريان الاستصحاب في المقام لأنّ هذه الإطلاقات إنّما وردت لبيان تشريع أحكام هذه الموضوعات فلا تشمل لبيان أحكامها بعد الاستحالة فيبقى الاستصحاب بعدها بلا معارض ويرد على المحقّق القمي رحمهالله عدم اطّراد حكم التعارض في كلّ مورد إذ قد لا يكون لدليل المستحال إليه إطلاق كما عرفت ولذا ترى الشّهيد في الذكرى قد تمسّك في طهارة العذرة المستحالة ترابا بإطلاق قوله عليهالسلام التّراب طهور واحتمل الطهارة في صورة الاستحالة ملحا بزوال الاسم والصّورة لا بالإطلاق وهو ظاهر في الاستناد فيها إلى قاعدة الطهارة والتحقيق في المقام أخذ طريقة وسطى لا جعل المدار على إحراز الموضوع الواقعي مطلقا ولا ملاحظة الأدلّة كذلك ولا العرف كذلك وهي أن يقال إن موضوع الحكم مع قيوده إن كان ثابتا بالكتاب والسّنة فلا بد من إحرازه مع جميع قيوده الثابتة فيهما سواء حكم العرف ببقاء الموضوع مع انتفاء بعض قيوده أم لا لما عرفت من الإشكال في الأخذ بطريقة العرف وإن كان ثابتا باللّب من إجماع ونحوه أو بدليل لفظيّ مجمل فلا بدّ من إحرازه بجميع قيوده الواقعيّة فلا يجري الاستصحاب مع الشكّ في إحراز بعضها فضلا عن العلم بانتفاء بعضها لعدم صدق البقاء والارتفاع من دون إحراز جميعها على ما تقدّم ومن هنا يظهر الكلام في الاستحالة والانقلاب والانتقال أيضا لأنّه إذا حصلت هذه التغيّرات وزال بها عنوان المستحال الثابت بالكتاب أو السّنة لا يصحّ استصحاب حكم المستحال إلى المستحال إليه وكذلك إذا ثبت بدليل لبّي من إجماع ونحوه أو لفظي مجمل لاحتمال مدخليّة عنوان المستحال في قوام حكمه وقد زال بالاستحالة بالفرض فيشك معه في بقاء الموضوع فلا يصحّ استصحاب حكمه فإن قلت إن مقتضى ما ذكرت دوران الأحكام مدار أسماء موضوعاتها الثابتة بالكتاب والسّنة وهذا على إطلاقه غير صحيح لأنّه لو تبدّل اسم موضوع في عرف الشّارع أو المتشرعة أو في العرف بأن سمّي الغنم كلبا وهجر اسمه الأوّل فلا شكّ في بقاء حكمه حينئذ قلت إن تغير اسم الموضوع تارة يكون بمجرّد تغيّر الاسم من دون