عنه بمنع كونه مطيعا والحال أنّه عاص ذهولا عن أن محلّ النّزاع في تلك المسألة إنّما هو بحسب العقل دون العرف كما قرّر في محلّه واستدل المحقق القمي أيضا على وجود الكلّي الطبيعي بفهم العرف له من الإطلاقات وإن لم يكن له وجود في الواقع غفلة عن كون الكلام فيه بحسب العقل دون العرف وكيف كان فالوجه فيما ذكرناه واضح إذ الكلام هنا في تعيين المصاديق العرفيّة لقوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشكّ وهو لا يتمّ إلا بتعيين ما يفهمه العرف موضوعا للحكم في الخطابات حتّى يتفرع عليه صدق البقاء والارتفاع ولا يناط ذلك على ما هو مناط الحكم وموضوعه عند العقل فيما كان له إليه سبيل لأنّ موضوع الحكم قد يكون عند العرف أعمّ منه عند العقل إذ الموضوع في استصحاب البراءة عند العقل هو عدم الشّعور والعقل وعند العرف على ما هو المستفاد من الخطابات الشرعيّة هو الصبوة فإذا حصل العقل والشّعور بعد البلوغ وشك في توجّه الحكم الشّرعي إليه يصح استصحاب البراءة عرفا لا عقلا لأنّ موضوع الحكم عرفا وإن كان هو الصّبي إلا أن حصول البلوغ عندهم من قبيل تبدل حالات الموضوع دون تغيّره ولذا شاع استصحاب البراءة من دون خلاف يعرف مع دعوى الإجماع على اشتراط بقاء الموضوع في جريانه وثانيهما أن لا يكون حكمهم بالبقاء مع زوال بعض قيود الموضوع لأجل المسامحة منهم في إطلاق الواجد للقيد للفاقد له لعدم الدّليل على المسامحة في موضوعات الأحكام الشرعيّة ومسامحتهم في المكيل والموزون بقليل من الزّيادة والنقيصة كمثقال من الحنطة أو الشعير أو غيرهما من الحبوب في جنب منّ منها ومدّ في جنب أمنان وهكذا مع كون الأكيال والموازين موضوعتين بمقدار معيّن في الواقع إنّما هي لأجل فهم غرض الشّارع وعدم إضرار هذا المقدار اليسير من الزيادة والنقيصة عنده في المحقرات وإلاّ فلا ريب أنّهم يحتاطون ويداقّون في الأمور الخطيرة العظيمة كالفضّة والذّهب والجواهر فيحاسبون فيها بوزن ربع رحبة من حنطة وكذا ترى الفقهاء يحتاطون في تعيين مقدار المسافة الموجبة للقصر وفي دخول اللّيل والنهار للصوم وفي مقدار الفطرة والكرّ وو مقدار أيام الحيض إلى غير ذلك ممّا لم يثبت جواز المسامحة فيه وبالجملة أنّ المعتبر في المقام فهم العرف عموم الموضوع للواجد لبعض القيود والفاقد له من دون أن يكون حكمهم بالبقاء لأجل مسامحتهم في إطلاق الواجد على الفاقد على ما عرفت فإن قلت إنّ هذا كلّه مسلم إلاّ أنّ استصحاب الحكم السّابق في موارد حكم العرف ببقاء الموضوع مع تغير بعض قيوده معارض باستصحاب العدم لكون الفاقد له مسبوقا بعدم هذا الحكم مثل أنّ استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال التغير معارض باستصحاب عدم تنجس غير المتغير قلت إنّ هذا إنّما يتجه إن كان الواجد للقيد والفاقد له موضوعين مختلفين وقد فرضنا كونهما موضوعا واحدا في نظر العرف فلا وجه لاستصحاب العدم حينئذ بعد انقلابه إلى الوجود مع أنّ الشكّ في بقاء العدم مسبّب عن الشكّ في بقاء النجاسة فباستصحابها يزول الشكّ عنه لكون استصحاب الوجود موضوعيّا والعدم بمنزلة الحكمي فيقدم عليه من باب الحكومة إجماعا على ما ادّعاه بعضهم وثانيها أنه لو لم يعتبر العرف في الحكم بالبقاء مع تغير بعض قيود الموضوع أو أجزائه لزم تخطئة أكثر العلماء بل جميعهم لإطباقهم ظاهرا كما ادّعاه في الرّياض على جواز استصحاب الكرّية بعد الأخذ منه بمقدار يشكّ معه في بقائه على الكرّية لأنّ الموجود في السّابق قبل أخذ شيء منه موضوع وبعده موضوع آخر وليس تصحيح وجه جريانه إلاّ ما ذكرناه من كون الماء قبل الأخذ منه وبعده موضوعا واحدا في نظر العرف لوضوح عدم وصول نصّ في ذلك إليهم اختفي علينا فإذا جاز استصحاب الحكم مع تغير بعض أجزاء موضوعه فمع تغير بعض أوصافه بطريق أولى وقد عملوا أيضا بالاستصحاب فيما صار الأرض جسّا أو نورة بالإحراق مع زوال وصف الأرضيّة وكذا في الماء المتغير وفي المضاف إذا أضيف إليه المطلق أو بالعكس بحيث يشكّ معه في بقائه على الإضافة أو الإطلاق إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي عملوا فيها بالاستصحاب مع زوال بعض أوصاف الموضوع يجدها المتتبع في الفقه وثالثها أنّ مشترط بقاء الموضوع مع جميع قيوده وعدم اعتداده بالعرف في ذلك إن أراد به اشتراط بقائه بجميع قيوده الواقعية فلا سبيل لنا إليه وإن أراد اشتراط بقائه بجميع قيوده الثابتة في ظاهر الأدلّة من الكتاب والسّنة فلا ريب أنّ أهل العرف لا يفرق بين قول الشّارع الماء المتغير نجس وقوله الماء ينجس إذا تغير في فهم كون الموضوع على التقديرين هو الماء مطلقا وكون التغير سببا لحدوث الحكم فإذا شكّ في كون العلّة المحدثة مبقية وعدمه يصحّ استصحاب النّجاسة على التقديرين وإن كان الموضوع في ظاهر الدّليل الأوّل هو المقيّد المنتفي بانتفاء قيده بالمداقة وبالجملة أنّه بعد جعل المدار في تعيين الموضوع على ظواهر الأدلّة لا بدّ من جعل المناط ما فهمه العرف في تعيينه عموما أو خصوصا هذا والإنصاف أن الأدلة المذكورة لا تخلو من مناقشة أمّا الأوّل فإنّ العرف وإن كان محكّما في تعيين الأوضاع والمرادات إلاّ أنّ الشبهة في المقام في مصداق المراد لا فيه نفسه ولا اعتداد به في تعيين المصاديق الخارجة وذلك لأنّ المراد بقوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشكّ وإن كان مبيّنا وهو وجوب إبقاء المتيقن السّابق إلاّ أنّ الشبهة إنّما هي في صدق البقاء مع زوال بعض قيود الموضوع واعتقاد العرف لصدق البقاء فيه لا اعتداد به نظير ما لو فرض اعتقاد العرف لصدق الكلب على الغنم فلا يحكم بذلك بنجاسته وحرمة أكل لحمه وأمّا الثّاني فإنّ مخالفة العلماء لم يقم دليل على المنع منها ما لم يبلغ اتفاقهم إلى حدّ الإجماع وما تقدّم من الموارد الّتي عمل فيها العلماء بالاستصحاب لم يثبت تحقق الإجماع فيها وأمّا استصحاب الكرية الّذي ادعى صاحب الرّياض الإجماع عليه فلعلّ عمل العلماء فيه ليس بالاستصحاب الوجودي أعني استصحاب الكرية إذ يحتمل أن يكون حكمهم بالكرّية وترتيب آثارها عليه لأجل استصحابات عدميّة مثل أصالة عدم عروض ما يخرجه من الكرّية وعدم عروض ما يوجب تنجّس الماء بالملاقاة ونحوهما ولعلّ بناء العقلاء ثابت على اعتبار الأصول العدميّة كالأصول اللّفظيّة والكلام في اعتبار الاستصحاب مع تغيّر بعض قيود موضوعه إنّما هو على تقدير القول باعتباره من باب الأخبار وكفاية صدق البقاء عرفا في تحقّق مفهومها على ما تقدم ولا يرد عليهم أن إثبات الكرّية بأصالة عدم عروض ما يخرجه من الكرّية من قبيل الأصول المثبتة لأنّ عدم الاعتداد بها إنّما هو على القول باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار دون بناء العقلاء على ما تقدّم