العلّة المحدثة مبقية وعدمه تستصحب النجاسة وقد لا يكون الموضوع مذكورا في الكتاب والسنة أو يكون مجملا فيهما بأن ثبت الحكم بدليل لبّي من إجماع ونحوه أو لفظي مجمل بأن ثبتت بالإجماع مثلا نجاسة الماء المتغيّر أو الكلب وشكّ في أنّ موضوع النجاسة هو الماء بوصف التغيّر والكلب بعنوان كونه كلبا أو ذات الماء في الأوّل ومطلق الجسم في الثّاني إلا أنّ الوصف والعنوان سببان لحدوث الحكم دون بقائه فإذا زال التغير وصار الكلب ملحا بوقوعه في المملحة لم يجز استصحاب النجاسة لعدم العلم ببقاء موضوعها ومن هنا يسقط الاستصحاب عن درجة الاعتبار في كثير من الموارد الّتي تمسّك به فيها القوم لعدم تعيّن موضوع الحكم فيها بالكتاب والسّنة لعدم وروده فيهما كمسائل الاجتهاد والتقليد فإذا صار المجتهد المطلق متجزيا أو الأعلم مساويا لغيره أو للعامي لأجل عدم ممارسة الكتب في زمان طويل أو صار الحيّ ميتا أو نحو ذلك لا يجوز استصحاب جواز العمل له ولغيره برأيه في الأوّل ووجوب البقاء على تقليده في الأخيرين لاحتمال تقيّد الموضوع في الأوّل بالإطلاق وفي الأخيرين بوصف الأعلميّة والحياة (قوله) الثالث أن يرجع في ذلك إلى العرف إلخ توضيحه أن يقال إن المعيار في تمييز القيود المأخوذة في الموضوع من غيرها هو حكم العرف باتحاد القضيتين المعتبرتين في الاستصحاب وإن تغايرتا في الواقع فإذا ثبتت نجاسة الماء المتغير شرعا فمع زوال التغيّر إن حكم العرف بأن هذا الماء أعني ما زال تغيّره هو الّذي كان نجسا في السّابق يحكم بجريان الاستصحاب فيه وإلاّ فلا وبعبارة أوضح إذا ثبتت نجاسة الماء المتغير شرعا فإذا ثبتت نجاسته بعد زوال تغيّره أيضا بخطاب جديد آخر فإن كان هذا الخطاب الجديد محمولا عند العرف على إمضاء الحكم الأوّل بأن قالوا بأنّ هذا الخطاب تأكيد لبيان النجاسة السّابقة فهو مورد للاستصحاب لو لا الخطاب الجديد وإن كان محمولا على بيان إنشاء جديد مغاير للإنشاء الأوّل لنجاسة الماء قبل زوال تغيره فهو ليس بمورد له أصلا وبعبارة ثالثة أنّه إذا كان المورد بحيث لو ورد في الشّرع زوال الحكم أو عدمه بعد زوال بعض قيود موضوعه فإن كان يعدّ ذلك رفعا أو بقاء للحكم الأوّل كما في مثال الإنسان والكلب حيث إنهما إذا ماتا حكم العرف بارتفاع طهارة الأوّل وبقاء نجاسة الثّاني فهو مورد للاستصحاب وإن لم يصدق الارتفاع والبقاء بالمداقة العقليّة وكذا في مثال الزّوجيّة وغيره ممّا أشار إليه المصنف رحمهالله وإلاّ لا يكون موردا له مثل المني إذا صار إنسانا لأنّ حكم الشّارع بطهارة الإنسان لا يعدّ رفعا لنجاسة المني وهكذا ممّا ستعرفه ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يثبت موضوع الحكم في الكتاب والسّنّة وكان مبنيّا فيهما إطلاقا وتقييدا أم كان ثابتا بالإجماع ونحوه لأنّ المدار في جميع الموارد على صدق بقاء الموضوع عرفا فإذا حكم العرف بعد زوال التغيّر أنّ هذا الماء كان نجسا تستصحب نجاسته وإلاّ فلا سواء كان الموضوع في الأدلّة الماء المطلق بأن كان التغيّر سببا لحدوث الحكم أو المقيّد بالتغير أو لم يكن الموضوع مذكورا في الأدلّة قلنا هنا من الكلام مقامان أحدهما أنّ العرف هل يسامح في الموضوع بأن يقول إنّ هذا الماء مشيرا إلى ما زال عنه التغير كان نجسا في السّابق أو لا وثانيهما بيان الدّليل على اعتبار هذه المسامحة العرفية أمّا المقام الأوّل فهو ممّا يشهد به العيان ويقضي به الوجدان في الجملة ولذا ترى أنّهم لا يفرقون بين قولنا الماء المتغير نجس وقولنا الماء ينجس إذا تغيّر فيزعمون كون الموضوع على التقديرين هو مطلق الماء والتغير سببا لحدوث الحكم فيقولون بعد زوال التّغير إنّ هذا الماء كان نجسا وكذا يزعمون طهارة السّمك بعد موته في خارج الماء هي الطّهارة الثّابتة في حال حياته من دون التفات إلى اختلاف الموضوعين وبالجملة أنّ الأمر في ذلك تابع للمقامات وليس في حكمهم باتحاد القضيتين ضابط يؤخذ به ولعلّ الأغلب في باب الطهارة والنجاسة هو ذلك لزعمهم قيامهما بالأجسام من دون مدخليّة الأوصاف فيهما ولذا حكم الفاضلان كما نقل عنهما المصنف رحمهالله ببقاء نجاسة الأعيان النجسة بعد الاستحالة كما إذا صار الكلب ملحا إذا وقع في المملحة ونحوه والمشهور بنجاسة الأجزاء التي لا تحلّها الحياة من نجس العين كالعظم والشّعر خلافا للمرتضى فحكم بطهارتها نعم في بعض الموارد لا يساعد العرف اتحاد القضيتين كما عرفته من مثال المني الّذي خلق منه الإنسان وقد أفرط الوحيد البهبهاني فيما حكي عنه فحكم بنجاسة أولاد الكفار استصحابا للنجاسة وهو كما ترى بمكان من الضّعف لعدم مساعدة العرف لدعوى اتحاد القضيتين بعد الاطلاع على الانقلابات الكثيرة العارضة للمني إلى أن صار إنسانا لعدّهم المني موضوعا والإنسان موضوعا آخر ويزعمون نجاسة الكفّار مغايرة لنجاسة أصولهم ويحملون الخطاب الوارد في نجاستهم على إنشاء جديد لا على إمضاء ما دلّ على نجاسة المني ثم إنّ مسامحة العرف في دعوى اتحاد الموضوعين بعد زوال بعض قيود الموضوع الأوّل أو أجزائه على وجهين أحدهما أن يكون ذلك بتصرّف منهم في موضوع الحكم بأن كان الموضوع عندهم عامّا للواجد للقيد والفاقد له وإن كان الحكم في الأدلة محمولا على المقيد كما يظهر ممّا تقدّم من الأمثلة وأشرنا إليه آنفا فإن قلت مع فرض عموم الموضوع ولو في نظر أهل العرف كان الدّليل بعمومه شاملا للزّمان الثّاني فلا يبقى مورد للاستصحاب لعدم جريانه مع وجود الدّليل الاجتهادي في مورده وافقه أو خالفه قلت لا بدّ أن يكون الشكّ في بقاء الحكم حينئذ ناشئا من سبب آخر سوى الشكّ في بقاء الموضوع مثل الشك في كون التغير مع كونه علّة محدثة للنجاسة علة مبقية لها أيضا أو لا وإن كان الموضوع في الأدلّة هو مطلق الماء كما أشرنا إليه وثانيها أن يكون بدعوى دخول الفاقد للقيد تحت الواجد له على سبيل الادّعاء نظير ما ذكر السّكاكي في باب الاستعارة وأمّا المقام الثّاني فالدّليل عليه من وجوه أحدها أنّه لا ريب أن العرف كما أنّه محكم في تعيين الأوضاع بمعنى كون تبادر معنى من لفظ من دون قرينة عندهم دليلا على كونه موضوعا له كذلك في تعيين المرادات كما يقال إنّ قوله عليهالسلام لا صلاة إلا بطهور ونحوه ظاهر عرفا في نفي الصّحة دون الذات فنقول حينئذ إنّ قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشكّ ظاهر عرفا في وجوب بقاء ما كان متيقنا في السّابق ولا ريب في عدم صدق البقاء من دون بقاء الموضوع وحينئذ إذا فرض صدق البقاء عرفا مع زوال بعض قيود الموضوع يجب البناء على الحالة السّابقة لا محالة وإن لم يصدق بالمداقة العقلية نعم يعتبر في حكم العرف أمران أحدهما أن يكون حكمهم بالبقاء مع زوال بعض قيود الموضوع من جهة فهمهم للموضوع أعم من واجد القيد وفاقده لا من جهة حكم عقولهم القاصرة بذلك إذ قد يشتبه جهة البحث عن فهم العرف بحكم العقل وبالعكس ولذا ترى احتجاجهم في مسألة اجتماع الأمر والنّهي لعدم جواز اجتماعهما بأن المولى إذا أمر عبده بالخياطة ونهاه عن الكون في مكان مخصوص وخاطه في هذا المكان عدّ مطيعا وعاصيا لجهتي الأمر والنّهي وأجيب