موجود لأن قيام الوجود به إنّما هو بهذا الاعتبار لا باعتبار الوجود الخارجي وإلاّ لزم تكرار المحمول لأنّه حينئذ يكون في قوة أن يقال زيد الموجود موجود وهو ليس بمقصود قطعا بل غير صحيح بخلاف المثال الأوّل لما عرفت من كون عروض القيام لزيد باعتبار وجوده الخارجي فكأنّه قيل زيد الموجود قائم وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ المراد ببقاء الموضوع في زمان الشكّ المشروط في جريان الاستصحاب ليس بقاءه بوجوده الثّانوي إذ مع العلم بوجود زيد كذلك في الزّمان اللاّحق لا يفرض الشّكّ في وجوده حتّى يصحّ استصحابه بل المراد وجوده في الزّمان اللاّحق على النّحو الّذي كان معروضا ومحمولا عليه في القضيّة المتيقّنة السّابقة فإن كان معروضا بالوجود الخارجي فلا بد من بقائه كذلك بأن كان وجوده الخارجي في الزمان اللاّحق معلوما وشكّ في اتصافه بمحموله العارض له بأن علم وجود زيد وشكّ في بقائه على صفة القيام وإن كان معروضا بالتقرّر الذّاتي فلا بدّ من بقائه كذلك ولا ريب في بقاء زيد كذلك في زمان الشكّ في في وجوده ومن هنا صحّ أن يقال كما أشار إليه المصنف رحمهالله بقوله وهذا لا يتحقق مع الشكّ في بقاء القضيّة إلى آخره يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضيّة المتيقنة والمشكوكة من جميع الوجوه إلاّ من حيث اختلافهما في إدراك النسبة الخارجيّة باليقين في الأولى والشكّ في الثانية وبعبارة أخرى يعتبر اتحادهما في جميع وحدات التناقض إلاّ من حيث اختلاف زمان النسبة باليقين والشكّ ومن هنا يتضح اندفاع ما نقله المصنف رحمهالله من استشكال بعضهم في أمر كليّة اشتراط بقاء الموضوع بالاستصحاب في الموضوعات الخارجة فإن قلت إن بقاء الأمر الخارجي بتقرره الذّاتي دائمي لعدم قابليّته للارتفاع فما وجه اشتراط البقاء حينئذ لأنّه فرع احتمال الارتفاع قلت إن اشتراط بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب كليّا لا يقدح فيه العلم بالبقاء في بعض موارده مع أنا نمنع عدم قابليّته للارتفاع لأنّ بقاء الأمر الخارجي بتقرره الذّاتي فرع بقاء استعداده له وإلاّ فبعد انقضاء استعداده كانقضاء العمر الطبيعي للإنسان لا يفرض له بقاء ولو بتقرره الذّاتي نعم يرد على المقام أنّ الشيء في ظرف الواقع لا يخلو إمّا أن يتصف بالوجود أو العدم ففرضه قابلا للأمرين لا تحقّق له إلاّ بمجرّد الاعتبار والأمر الاعتباري لا يكون معروضا لأمر واقعي فإن قلت إنّ الممكن في مرتبة إمكانه وإن لم يخل من أحد الأمرين إلاّ أن قطع النّظر عن وجوده وعدمه لا يجعله أمرا اعتباريّا وإلاّ لزم عدم الممكن رأسا لأنّه قبل وجوده ممتنع وبعده واجب ولذا ذكروا أنّ الشيء ما لم يمتنع لم ينعدم وما لم يجب لم يوجد قلت إنّ ظاهر القضيتين نفي وجود الممكن في الخارج لأنّ الشيء إن وجد فهو واجب وإلا فهو ممتنع واتّصاف الشيء بالإمكان إنّما هو في العقل لا في الخارج وتحقيقه على ما ذكره بعض أهل المعقول أن الإمكان إنّما يعرض الماهية من حيث هي لا مأخوذة مع وجودها ولا مأخوذة مع عدمها وكذا غير مأخوذة مع وجود علتها وعدمها فإنّ الإمكان نسبة بين الماهية من حيث هي هي وبين الوجود والعدم أمّا إذا أخذت الماهيّة مع الوجود فإن نسبتها حينئذ إلى الوجود بالوجوب لا بالإمكان ويسمّى ذلك وجوبا لاحقا وإذا أخذت مع العدم تكون نسبتها إلى العدم بالامتناع لا بالإمكان ويسمى ذلك امتناعا لاحقا وكلاهما يسمّى ضرورة بشرط المحمول وأمّا إذا أخذت الماهية مع وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ويسمّى ذلك وجوبا سابقا وإن أخذت مع عدم علتها كانت ممتنعة ما دامت العلّة معدومة ويسمّى ذلك ممتنعا امتناعا سابقا وكل موجود محفوف بوجوبين سابق ولاحق وكلاهما وجوب بالغير وكلّ معدوم محفوف بامتناعين سابق ولاحق وكلاهما بالغير هذا ويمكن دفع الإيراد بأنّ الأشياء في الخارج وإن لم يخرج من كونه واجبا أو ممتنعا إلاّ أن قطع النظر عن الوجود والعدم لا يوجب كون الشيء أمرا اعتباريّا وإلاّ لم يصدق قولنا زيد موجود لأنّ نسبة الوجود إلى زيد تقتضي أخذه معرّى عن قيدي الوجود والعدم وإلاّ لزم حمل الشيء على نفسه أو اجتماع النقيضين وكلاهما باطلان ومع تعريته عن القيدين فهو معروض للوجود في الخارج فلو كان أمرا اعتباريّا لم يصلح أن يكون معروضا للوجود في الخارج وتوضيحه أنّ العقل قد يلاحظ الشيء معرّى عن القيدين بحيث يصلح أن يخبر عنه بالوجود أو العدم فتارة يخبر عنه باعتبار وقوعه في الخارج فيقول زيد موجود وأخرى يخبر عنه باعتبار عدمه في الخارج فيقول زيد ليس بموجود وعلى التقديرين فالملحوظ عند العقل أمر صالح للوجود والعدم ولكن معروض الوجود أمر واقعي في الخارج ومرادهم باشتراط بقاء الموضوع في قضيّة جريان الاستصحاب ليس ما هو المستفاد من ظاهر لفظ البقاء أعني الوجودات المتأخرة للشيء كما أشرنا إليه آنفا وإلاّ لم يصحّ استصحاب وجود زيد مع العلم ببقائه بوجوداته المتأخرة كما هو واضح بل المراد كون معروض المستصحب موضوعا في القضيّة الثانية المشكوكة على نحو كونه موضوعا في القضيّة الأولى المتيقّنة فزيد في مثل قولنا زيد قائم مأخوذ بوجوده الخارجي فعند الشكّ في قيامه وإرادة استصحابه لا بدّ من العلم بتحققه في زمان الشكّ بوجوده الخارجي ليصحّ وقوعه موضوعا في القضيّة المشكوكة كذلك لفرض وقوعه كذلك في القضيّة المتيقّنة وفي مثل قولنا زيد موجود مأخوذ بوجوده التقرري الذاتي الصّالح للوجود والعدم وهو ممكن في القضيّة المشكوكة وممّا ذكرناه يظهر أنّ مراد المصنف رحمهالله بكون زيد معروضا للوجود بوجوده التقرّري الذّهني ليس كون معروض الوجود هو الوجود الذّهني الظّلي لوضوح أن الوجود أمر خارجي وإن لم يكن موجودا خارجيّا كما قرّر في محلّه فلا يصلح الوجود الظلّي أن يكون معروضا للأمر الخارجي بل المقصود كون الموضوع في قولنا زيد موجود ملحوظا ذهنا على وجه يصلح للوجود والعدم وإن كان الوجود محمولا في القضية على الذات المقرّرة واقعا على ما عرفت (قوله) ثم إنّ الدّليل على اعتبار هذا الشّرط إلخ توضيح هذا الدليل العقلي أنّ مقتضى أخبار الباب بحكم التعبير بالنقض فيها هو كون الحكم الثابت في زمان الشكّ هو عين الحكم الثابت في زمان اليقين وحينئذ فإن كان موضوع الحكم الأوّل باقيا على سبيل القطع فهو وإلاّ فإن كان معلوم الانتفاء فالحكم الثابت حينئذ في زمان الشكّ إن كان عين الحكم الأوّل فلا يخلو إمّا أن يقوم بلا موضوع أو بموضوع آخر والأوّل يستلزم قيام العرض بلا معروض والثّاني يستلزم انتقال العرض وكلّ منهما محال مضافا في الثّاني مع تسليم إمكانه إلى أصالة عدم العروض للموضوع الآخر لفرض كونه مسبوقا بالعدم ومع تسليم الوقوع فلا ريب أنّ نسبة المستصحب إلى موضوعه الآخر مغايرة لنسبته إلى موضوعه الأوّل كنسبة لون الحناء إلى اليد بالنسبة